هل الحوار الوطني حول التعمير والإسكان سيضع حد لظاهرة السكن غير اللائق؟

ذ . بوناصر المصطفى :
مند الاستقلال ولم يستقر المغرب على سياسة حضرية رسمية لغياب دراسة توقيعية منظمة، مما ساهم في إحداث تشوهات خطيرة بالتجمعات السكنية، استدعت الدولة الى إعادة تصميم مدن فلكية نموذجية، ومحاولة لمعالجة انماط أخرى عمرانية غير قانونية على هوامش المدن والتجمعات السكنية.
ربما استهان المسؤولون عبر هده الفترات بالظاهرة في البداية لكن، اتضح أنها ظاهرة شديدة التعقيد ومزمنة فالتعمير الغير القانوني أفرز لنا أنماط متعددة من السكن غير القانوني السكن العشوائي، والسكن الصفيح …
لدلك انكبت الوزارة على مراجعة خطط الإسكان الاجتماعي من خلال مقاربة جديدة تستهدف بالأساس الطبقتين الفقيرة والمتوسطة
فقد كشفت وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري أن الوزارة منشغلة بوضع اللمسات الأخيرة لإطلاق “برنامج جديد، بمقاربة جديدة، نقترح فيه عروضا للطبقة الأكثر هشاشة وللطبقة المتوسطة

وتندرج الخطوة في إطار النموذج التنموي الجديد وتفعيلا لبرنامج السكن الاجتماعي الذي أطلقه العاهل المغربي الملك محمد السادس في العام 2010 وانتهى العمل به في العام 2020
استجابة للطلب المتزايد لاقتناء السكن الاقتصادي، وبهدف صد تلك الفجوة التي لا تزال تشكل قلقا مزمنا للسلطات منذ سنوات حتى مع النجاح النسبي للنموذج السابق في إدارة هذا الملف بإنجاز 600 ألف وحدة سكنية، إلى جانب مئة ألف وحدة في طور الإنجاز.
تستعد الحكومة المغربية لإطلاق هدا البرنامج السكني الجديد موجه للطبقتين الاجتماعيتين المتوسطة والهشة لتقديم المشروع إلى البرلمان للمصادقة عليه بعد انتهاء المشاورات في إطار حوار سيشمل كافة مناطق البلاد
اد جاء في تصريح الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري: ” سنطلق حوارا بهدف جعل البرنامج الجديد للإسكان ناجحا”
وقالت السيدة الوزيرة في شرح اهداف الحوار الوطني: “ان الهدف من هذه المشاورات هو التقريب ما بين العرض والطلب لتحفيز المستثمرين وتشجيع المستفيدين في إطار احترام توصيات النموذج التنموي الجديد، ولجعل هذا البرنامج ناجحا”
اذ ان الفجوة السكنية تطرح تحديات كبيرة أمام السلطات حيث ان العديد من الأسر في ظل وضعياتها الاقتصادية الهشة من انعدام السكن اللائق
ومن أجل النهوض بسياسة السكن الاجتماعي، أكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة أنه لا مفر من التعامل مع بعض الاختلالات في قطاع السكن الاجتماعي ويجب إصلاحها، والتي تعود إلى مجال التطبيق والمراقبة وليس على مستوى التشريع.
واقترح الفينة دمج مناطق السكن الاجتماعي في تصاميم التهيئة وتحديد معايير عامة لمكونات السكن تسمح بتطوير صناعات مرتبطة به وتبني سياسة للضبط العقاري تسمح بالحصول على عقارات بأسعار معقولة مع اعتماد أسعار فائدة مقبولة على القروض السكنية
ومن مراجعة الآليات الشاملة للتعاقد الخاص بالسكن الاجتماعي وسكن الطبقة الوسطى، والتي تهدف إلى دعم القدرة الشرائية للمستفيدين الوزارة منكبة حاليا لابتكار حلول هادفة تقوم على طرق تمويل جديدة تفضي إلى الحصول على سكن بسعر مقبول
وتقول المنصوري إن البرنامج الموجه للطبقة الوسطى الذي انطلق سنة 2013 واعتمد تسهيلات فيما يخص التسجيل والتحفيظ مكن من التعاقد لتشييد أكثر من 11.3 ألف وحدة
واعتبرت أن هذا الرقم يبقى متواضعا خاصة أن الدراسات الأخيرة بينت أن الطلب الاجمالي وصل إلى مليوني وحدة سكنية، 70 في المئة منها تخص الطبقة الاجتماعية والمتوسطة.
الفجوة السكنية تطرح تحديات كبيرة أمام السلطات حيث تعاني العديد من الأسر من انعدام السكن اللائق في ظل وضعياتها الاقتصادية الهشة
ورغم الجهود التي أطلقها المغرب ومن برامج سكنية مثل مدن بدون صفيح، وبرامج تعاقدية للسكن الاجتماعي وغيرها من أجل الحصول على سكن لائق:
كبرامج السكن المنخفض والعرض بقيمة 140 ألف درهم (14.8 ألف دولار) لشراء سكن تتراوح مساحته بين 40 و55 مترا مربعا والموجه للأسر القاطنة في الأحياء العشوائية والمنازل الآيلة للسقوط والأسر ذات الدخل المحدود حيث أنجز ما مجموعه 28.5 ألف وحدة سكني.
وبرنامج السكن الاجتماعي بتكلفة تبلغ 250 ألف درهم (26.5 ألف دولار) للشقق ذات المساحة بين 48 و55 مترا مربعا، موجهة للفئة التي ليس لديها سكن، حيث تم إنجاز تحت هذا الباب أكثر من 496.6 ألف وحدة سكنية
اذ تعتبر أسعار العقارات وإشكالية الحصول عليها عائقا حقيقيا أمام الاستثمار، ولهذا أكد الفينة أن آثار هذه المعضلة واضحة على تطور المدن وعلى تنفيذ مختلف السياسات العمومية.
وقال إن “سياسة السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق التي تستنزف سنويا 1500 هكتار أصبحت اليوم تجد صعوبة في تنفيذها بفعل غياب المخزون العقاري الكافي بأسعار تنافسية خاصة على مستوى المحور الاقتصادي الرباط -الدار البيضاء”
وترى الحكومة أن الحل الحقيقي انطلق العمل به في مدينة تمارة هو تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث يتكلف القطاع بتشييد الشقق وتوفير الأراضي الصالحة للبناء.
اما من منظور السيدة الوزيرة المنصوري فتقول: إن من المعيقات التي تواجه تنفيذ برنامج “مدن بدون صفيح” هو الانتشار المستمر للمساكن العشوائية.
وبعيدا عن هده التجاذبات تبقى الحقيقة ان هناك صعوبات مرتبطة بالإحصاء، وضعف القدرة الشرائية لأولئك الذين يقطنون في المساكن العشوائية، حيث يفتقرون إلى الإمكانيات المادية لتوقيع اتفاقية الاستفادة من سكن في إطار البرنامج
وفي هذا الصدد أكد إدريس الفينة انه لا مفر من التعامل مع بعض الاختلالات التي يجب إصلاحها
من خلال كل التصريحات والأرقام التي صرحت بها الوزيرة ورغم نبرة التفاؤل يبدو ان التغلب على الظاهرة لازال بعيد المنال
لدلك قامت الوزارة بإعداد سجل موحد يحصر عدد المستفيدين لتفادي استفادة أسرة لأكثر من مرة في مدن مختلفة، ناهيك عن إعادة الإسكان في نفس المكان أو في المحيط قدر الممكن
فالحكومة تقدم دعما جبائيا يقدر بنحو 5.3 آلاف دولار عن كل شقة بهدف تشجيعها على بناء مساكن للطبقات الهشة والمتوسطة لكل شركة من شركات السكن الاجتماعي.
وجاءت الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، وهي نقابة تجمع شركات التطوير، بمقترح جديد أنهم لا يريدون الإعفاء الضريبي بالنسبة إلى الإسكان الاجتماعي، بل يطالبون بالتعويض عن هذا الإعفاء وفق مساحة قطعة الأرض
وفي مقابل ذلك تعرض الفيدرالية الحفاظ على السعر المتفق عليه مع الدولة والمحدد عند 250 ألف درهم (68 ألف دولار) لذوي الدخل المحدود.
في حين ان البرنامج القديم قد كرس مبدأ الإعفاء الواسع من الضرائب والرسوم لصالح مطوري العقارات، وهي ضريبة الشركات وضريبة الدخل ورسوم التسجيل والطوابع ورسوم التسجيل على دفاتر الأراضي وضريبة الأعمال والضرائب على المناطق الحضرية.