من المستفيد من المصالحة السعودية الإيرانية؟

ذ . بوناصر المصطفى
من المستفيد من المصالحة السعودية الإيرانية؟
كان اعلان السعودية يوم الجمعة العاشر من مارس عن المصالحة مع الغريم الإيراني حدثا هاما للمتتبعين والصحافة الإقليمية والدولية ، اذ شهدت العاصمة الصينية بكين خلال فترة ممتدة من 6 إلى 10 مارس الجاري محادثات مكثفة بين وفدَيْ البلدين برئاسة كلٍّ من وزير الدولة عضو مجلس الوزراء ومستشار الأمن الوطني في السعودية مساعد بن محمد العيبان، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي شامخاني، وجرى خلالها، في بيان ثلاثي ضم السعودية وإيران مع الصين التوصل لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، وإعادة فتح سفارتيهما
لكن أسئلة كثيرة تطرح نفسها بحدة:
– هو من المستفيد من هده المصالحة؟
– كيف يمكن استيعاب حدوث صلح بين غريمين هم أعداء كانا يتصارعان عن الزعامة الدينية فالسعودية تمثل التوجه السني سليلة الاسرة القريشية مهد الرسول (ص)
فالسعودية، ودول الخليج هي التي دفعت صدام حسين لمحاربة إيران بالوكالة الشيء الدي كلف العراق لفقدان زعامة قومية عربية بينما إيران هي وريثة الإمبراطورية الفارسية ورائد التوجه الشيعي والمنظر المعتمد للمذهب؟ فقد كانت الممول الأساسي لليمن حيث كانت ترمي الى ضرب المنشاة النفطية وادعم الفصيل الشيعي بالعراق كلها أسباب كانت على حافة الحرب أدى في نهاية المطاف لدول الخليج الى قطيعة مع النظام الإيراني باستثناء دولة قطر.
– كيف لوساطة صينية في منطقة ذات النفوذ الانجلوساكسوني ان تنجح ولماذا هي بالذات؟
– الا يمكن ان تشكل عاملا لتحريك الصفائح التكونية في العلاقات الدولية؟
لا شك ان محاولة فهم هدا اللغز، له من المسببات ما يكفي، فالصين كانت تترصد الفرصة لأتباث وجودها في الشرق الأوسط، فادا اقتصر في البداية حول الجانب الاقتصادي والتجاري، لذلك لعل لا مبالغة إذا قلنا إن المصالحة السعودية الإيرانية هي أكبر اختراق للدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط عبر تاريخها، فقد أثبتت الصين أنها قادرة على صناعة إنجاز دبلوماسي في قضية طالما استعصت على الأميركيين.
لدلك تزايد الانخراط الصيني في الآونة الأخيرة بمساعيه للتوصّل إلى حلول سلمية لنزاعات حادة بالمنطقة وهي في حقيقتها ترمي الى ترتيبات أمنية دائمة فيها.
استحوذ هذا الأمر على أهمية خاصة، نظرا لكون المنطقة تخللتها حروبٌ بالوكالة ونزاعات أهلية وصراعات حدودية مديدة فشلت الجهود الأميركية والأوروبية في إنهائها، ومن ناحية أخرى فان الوساطة الصينية بين السعودية وإيران عنوانًا على أول تدخّل منفرد لمبادرة قوة صاعدة غير الولايات المتحدة الأميركية منذ انتهاء الحرب الباردة في العام لإعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط الأمنية واحتواء صراعات المنطقة.
لدلك جاءت المبادرة الصينية كبرهان على إمكانية لعب بكين دور بنّاء في النظام الدولي، وهو ما يُكسِب مبادراتها الدبلوماسية مصداقية لحل الصراعات العالمية.
ان هدا الاتفاق الدي يعتبر حتى هده اللحظة اعلان نوايا نظرا لغياب أي تفاصيل واضحة بهدأ الشأن
فالرياض وطهران بصما علاقتهما كخصمين ومتنافسين على القيادة الإقليمية،
فكان تحالف الرياض مع الولايات المتحدة هو الخيار الاوحد للتعامل مع التهديد القادم من الجار الإيراني.
لكن تغيير الولايات المتحدة لأولوياتها الاستراتيجية في المنطقة مُتخلية عن التزاماتها التقليدية تجاه حلفائها العرب، وتاركة إياهم وجها لوجه ضد إيران، التحول الدي دفع بالرياض لكثيف جهودها من أجل تنويع شركائها الأمنيين والعسكريين، بما في ذلك تعزيز تعاونها الأمني مع الصين وروسيا، وبهذا وجهت رسالة بصوت واضح إلى الولايات المتحدة بعزمها المُضي قُدُما في تنويع شركائها، حتى لو تطلب الأمر التعاون مع خصوم الولايات المتحدة.
فادا كانت علاقات الرياض في حكم الجمهوريين صحيحة فإنها بدأت في الفتور مع الديمقراطيين مادام الحكام الجدد لم يأخذوا بعين الاعتبار الموقف الجديد في تنويع شركائها
فأهداف الرياض الدبلوماسية بالضرورة هي الحد من تعرضها للهجمات الإيرانية المباشرة، فضلا عن الأضرار الجانبية الناجمة عن العلاقات الأميركية الإيرانية المتدهورة، والتصعيد العسكري المتبادل بين إيران وإسرائيل.
لدلك بدأت خطواتها بتزعم تكتل أوبك بلس النفطي لخفض الإنتاج يوميا على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة. رغم اعتراض أمريكا هده الأخيرة التي اهمتها بدعم الحرب الروسية الأوكرانية
ان القراءة الأولى للموقف السعودي يبدو منطقيا فمن الناحية التجارية، تَعتبر الرياض أمنها أمرا بالغ الأهمية لضمان عدم تعطيل التنقيب عن النفط أو نقله أو بيعه،
ادا اضفنا رغبة المملكة العربية السعودية للتقليل من اعتمادها على صادرات النفط وتنويع اقتصادها وخلق أنماطا جديدة من الشراكات والمنافسات الإقليمية، وهو ما يدفعها اليوم إلى إعادة النظر في علاقتها المشحونة مع إيران.
هدا دون ان ننسى ان الملك سلمان يحاول خوض ثورة حداثة بالتغطية على مذبحة الصحفي قصبجي ومحاولا تجاوز الازمة المالية التي يعانيها النظام السعودي رغم البترول فقد قام بدعوة الرئيس الإيراني إبراهيم رايسي وهي ضمنيا لقاء سياسي يضع الدين جانبا
اما الجانب الإيراني، فهو قبل كل شيء زمرة اوكسيجين للتخفيف من المقاطعة و الحصار الاقتصادي، و قناعة القادة الإيرانيين يرونها فيها مبادرة جادة للتقليص من النفوذ الامريكي واحتواء تدخلات إسرائيل كعدو أول في المنطقة، رغبة في تخفيف التوترات مع جيرانها العرب بما فيهم السعودية
لان التطبيع بين إسرائيل والعرب هو خطر أكبر له أولوية في المعالجة للتقليل من كل ما يكرس تحفيز التقارب العربي العبري وهي محاولة أولى لتسوية خلافاتها الإقليمية فضلا عن أن إدخال بكين وسيطا في منظومة الأمن الإقليمي يخفف من احتكار الولايات المتحدة ويصب في مصلحة إيران هدا مع كون هدا الحدث يمتص حدة خلافاتها الإقليمية ويجرِّد واشنطن من أهم أسلحتها بالادعاء بكونها دولة مخربة للأمن الإقليمي والعالمي، كما سيمنحها فرصة للتعامل مع تحدياتها الداخلية
في هدا الصدد فان الاتفاق يمكن للتعاون بين الرياض وطهران للسيطرة على سوق النفط
كما ان تخفيف العقوبات الغربية، وهو ما يعني المُضي قُدُما في جهود إحياء الاتفاق النووي
لم تكن نظرة الولايات المتحدة لهذا الدور الصيني الجديد ببراءة، فطبيعة الدور الذي لعبته الصين لا يتوقف عند الوساطة الديبلوماسية بل كداعم لوجستي وتقني في مقابل الغاز والبترول
فمند 2016 حددت الصين خمس مبادئ رئيسية للتعامل مع دول المنطقة، وهي الاحترام المتبادل للسيادة، ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء المتبادل، وعدم التدخل المتبادل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، والمساواة والمنفعة المتبادلة، وأخيرا التعايش السلمي. سياسات الصين العربية الصادرة،
تُعَدُّ هذه رسالة واضحة من بكين بان هده المصالحة تدشن مرحلة مبنية على شروط الصينية وليس الصيغ الأميركية الدائرة حول اشتراطات وتعهدات أمنية والتزامات خاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
بالرغم من دلك تدرك بكين انها لا يمكنها تعويض الولايات المتحدة في الحماية العسكرية
متغيرات جمة بدأت تطفوا على الساحة الدولية فالحياد اصبح لغة طاغية فاغلب الدول لم تعد تحبذ ان يكون نموذجها ذلك النموذج الغربي فالكل يلعب دوره ويدافع عن مصالحه
فحالة روسيا لا يريدها العالم ان تكون ضحية الغرب فالصين تسير في مغامرة خطة السلام في الحرب الروسية الاوكرانية كفاعل ديبلوماسي رغم انه حسب راي بعض المراقبين الدوليين فان فرنسا كانت مؤهلة للعب هدا الدور لكن الحرب عقمت كل المساعي والصراع أدى الى تذويب كل الخلافات مراعاة للمصالح الامريكية
ان الوساطة الصينية لا يمكن ان تتجاهل قوى أخرى مهدت لنجاح العلاقات السعودية،
وكانت واضحة في تهدئة التوترات المباشرة بين القوتين الإسلاميتين
– العراق التي لديها الدور الوازن بحكم التوازن الطائفي الحساس بين السنة والشيعة فيها
– سلطنة عمان لعبت دورا في احتواء التوترات ومنع التصعيد في المنطقة في أكثر من مناسبة،
وكلها جهود قادت إلى اللحظة الحالية التي بادرت بها بكين لأسباب سياسية، ولعل ذلك يفسر حرص الطرفين، السعودي والإيراني، على توجيه الشكر لبغداد ومسقط لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021 و2022
في الوقت نفسه، تدرك بكين أن الولايات المتحدة هي المزود الرئيسي للأسلحة والخدمات الأمنية إلى دول المنطقة، وهي صاحبة الوجود العسكري الأكبر على الأرض، والضامن الرئيسي لأمن التجارة العالمية
الأستاذ عمرو حمزاوي مدير برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي :
اكتسب تنامي الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يشبه فعل “المعمودية السياسية” أو “الإعلان الأول” عنه، إذ أفضت وساطة الدبلوماسيين الصينيين إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. منظورًا إليه من منطقتنا، ترحّب معظم القوى الإقليمية
هل ستؤثر هده المصالحة على العلاقات المغربية السعودية ؟
هل ستتخلى السعودية عن دعمها لقضية المغرب الاولى الوطنية على اعتبار ان ايران تعتبر داعم للانفصاليين ؟
كيف يمكن السماح لدولة تيوقراطية ان تاخد حيزا في العلاقات العربية العربية مع ان طل توجهاتها الاستراتيجية مبنية على الزعامة الاقليمية ؟