محور مدريد – الرباط المحور البديل لباريس ؟

ذ .بوناصر المصطفى
الوضع الاستراتيجي للمغرب في شمال افريقيا جعله محط انظارالشعوب و القوميات شركاء ، حلفاء … فهو حسب تعبير الاستاذ العروي جزيرة محاصرة من شماله البحر و الجزيرة الايبيرية ، ومن الجنوب الصحراء ، من الغرب المحيط ومن شرقه جار شقي مؤجر لخلق التوتر والتعثرات في مساره التنموي للحلول دون استثمار امكانياته .
اذا كانت علاقات المغرب مع الجزائر قد اتسمت بالتعقيد الهش ، فإنه اضحى من سابع المستحيلات عودته الى الرشد والعلاقات الى مجراها الطبيعي ان على المدى القريب والمتوسط فكان على المغرب الا خيار سياسة الحسم في سياسته الخارجية مع شركاءه لم تمض ايام حتى بدأ يجني ثمارهذا القرار خصوصا مع جارته الشمالية المملكة الإسبانية ،اذ سارعت هذه الاخيرة الى الخروج من الدائرة الرمادية والتجاوب بموقف واضح من الوحدة الوطنية للمملكة والإقرار بشكل رسمي بدعم مخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل لأزمة الصحراء المغربية .
لم يكن هذا التحول في السياسة الخارجية للمغرب الا ليعكس تحولا جذريا في علاقات بعض دول الاتحاد الاوربي ببلدان شمال افريقيا ، فاذا كان منذ زمن قليل قد ساد الحديث في القاموس الدولي عن محور جديد مدريد- الجزائر في مقابل محور قديم باريس- الرباط انعكس الوضع ليصبح محور الرباط – مدريد قد يولد محور باريس- الجزائر؟

فماهي اسباب ومخلفات هذا الانقلاب المحوري ؟
محور مدريد الجزائر المخاض والدفن
اذا كان محور الرباط – باريس ممتد بفعل تاريخ لاستعمار فرنسا للمغرب ،وان كانت قد تعترضه بعض الهزات الخفيفة من حين لأخر، لكن قوة الروابط بين البلدين ، تزكيها ثقل المعاهدات والاتفاقيات ، فان محور مدريد- الجزائر قد اعلن ولادته بالصدفة في لقاء بين الرئيس بوتفليقة ورئيس الوزراء الاسباني خوصي ماريا اثنار كانت هذه اللحظات كافية لخلق توافق بين الرجلين تطور بقوة سرع من وثيرته القاسم المشترك بينهما العداء للمغرب، فقرر الرجلان على نهج سياسة إضعاف المغرب وولادة محور الجزائر- مدريد.
لم يكن هذا المحور مبني على تكافؤ الرؤى الاستراتيجية بين الحليفين ، فاذا كانت اسبانيا في حاجة الى الغاز الطبيعي الجزائري كمصدر حيوي لشبه الجزيرة الايبيرية ،فان الجزائر لم تحتاج الا للدعم في مخطط اضعاف المغرب ، الرؤية التي لن يستفيد منها الشعب الجزائري في شيء.
تطورت هذه العلاقة لتترجم بتوقيع اتفاقية 2002 حسن الجوار بين البلدين ، ألتزم الطرفان بـتعزيز التعاون بين قواتهما المسلحة، مع إيلاء اهتمام خاص لتبادل الوفود، وعقد دورات التدريب ، وتنظيم التدريبات المشتركة….
ظلت العلاقات بين البلدين مرهونة بنصب العداء للمغرب في المحافل الدولية ومحاولات اضعاف ملف قضيته الوطنية ، حيث اكتفى رئيس الوزراء الإسباني بمهمة ساعي البريد بين الرئيس الجزائري إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش، بخصوص قضية الصحراء، وذلك من أجل فرض أي حل آخر ،غير مخطط الحكم الذاتي كمقترح مغربي ساندته اغلب الدول الشقيقة والصديقة ، لكن الجزائر ردت الكيل لاسبانيا بدعم نزاعها مع المغرب حول ملف سبتة ومليلية المحتلتين.
لم يدم هذا المحور طويلا حيث انهار بعد ان اعلنت رسميا اسبانيا تغيرا جذريا من قضية الصحراء المغربية، فصرحت عن دعمها لمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب كحل لهذا النزاع المفتعل الذي عمر لعقود.
القرار الذي لم تستطع هضمه الجزائر لذلك اقسمت على اعلان الطلاق بتعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار جاء رد فعل الحكومة الاسبانية بشكل محتشم فاطلقت تصريحات اعلامية عن استعدادها للاستمرار في الحفاظ على علاقات التعاون الخاصة بين البلدين وتنميتها، فاكتفت بهذا التصريح دون تقديم أي خطوة من أجل التقارب مع الجزائر.
صحيح ان الجزائر وقعت في حرج كبير، لكنها اعتادت على هذه الهزائم والسقطات الديبلوماسية.
الرباط مدريد المحور البديل
كان لوقوف اسبانيا الى جانب المغرب خلال مجلس الامن 2022 وتوضيح وزير الخارجية الاسباني لموقف بلاده من قضية الصحراء المغربية ،هو الموقف الذي عجل بولادة محور مدريد -الرباط خصوصا بعد اصطفافها الى جانب المغرب ضد فرنسا مما عجل بإقبار المحور القديم الرباط – باريس.
وباقبار محور الرباط – باريس وافقه نهاية لمحور “مدريد -الجزائر”، فبدأت تلوح في الافق ملامح محور الرباط مدريد تدريجيا ، فبعدما كانت العلاقة محتشمة في البداية طبعتها الواقعية.
فاصطفاف إسبانيا إلى جانب المغرب ضد فرنسا، بعد تحركاتها المخجلة والغيرمسؤولة في كواليس الاتحاد الأوروبي لاستصدار قرار لإدانة المغرب على خلفية ما أسموه وضعية الصحافة بالمملكة المغربية، حيث وقف الحليف الاسباني بالمرصاد بقيادة رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، فصوت الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني ضد قرار البرلمان الأوروبي لصالح المغرب ب 17 نائبا.
لم يقف دعم الجارة الشمالية في البرلمان الاوربي ،بل تعداه في نيجيريا بإبداء اهتمامها و دعمها اللا مشروط بخط انبوب الغاز نيجيريا- المغرب هي رسالة لم تكن تحتاج الى فك الغازها للاتحاد الأوروبي بل تعطي اشارة بان حل أزمة الغاز على المستوى البعيد هو عن طريق المغرب ، وأن إسبانيا ستمضي قدما في سبيل هذا المشروع.
هكذا بقيت الجارة الإسبانية تصعد من مواقفها وتنعش هذا المحور الجديد ، في ترقب لدعوة متسارعة لعقد القمة المشتركة العليا المرتقبة مع المغرب، والتي دشنت منعطفا حقيقيا في تاريخ العلاقات بين البلدين ، اعتبرها المتتبعون اشارة كاشفة الى فرنسا لفضح الاعيبها ، واعتراض واضح من إسبانيا في تصفية حسابات سياسية بين المغرب وفرنسا، و تلويح بأن هذا القرار الأوروبي تقف وراءه فرنسا كمستفيد اول علاقاته ليست على ما يرام مع المغرب،
وخلال مؤتمر صحفي جمع كلا من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، برئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز أكد هذا الاخير أن علاقات بلاده بالمغرب في صحة جيدة و تراهن على افاق واعدة.
اهتمت الدولة الإسبانية بهذا التوجه ايما اهتمام ،فاستمرت بإرسال رسائل واضحة وصريحة ، اذ لم تقف عند توجيهها لفرنسا ، فهذه المرة وجهت خطابها الى أوروبا مجتمعة، حيث جدد وزير الخارجية الإسباني التأكيد على أهمية المغرب ليس بالنسبة لإسبانيا فقط ن بل أوروبا مجتمعة ، مبرزا ان المصالح الحيوية لإسبانيا وأوروبا في العلاقة مع المغرب كشريك استراتيجي لإسبانيا ولأوروبا على اعتبار تقاسم ملفات مشتركة : ضبط الهجرة السرية، مكافحة الفكر الجهادي، الالتزام بالتنمية المشتركة والاهتمام بإفريقيا لذا فالتعاون مع المغرب لم يعد اختيار؟
انطلاقا من هذه الاعتبارات اشار رئيس الوزراء بان محور الرباط ومدريد دخلتا مرحلة جديدة بقواعد أكثر متانة وان مصالحهما الحيوية سوف تدبر بشكل مشترك في إطار خارطة طريق تشكل بالمجموعات العمل الثنائية
اقتنعت الدولة الاسبانية بجدوى هذا الاختيار لبناء علاقات مع المغرب ،اذ ان الشراكة مع الرباط قد انعكست بشكل كبير على المبادلات التجارية وهذا بدا واضحا من خلال الارقام :
– ارتفاع التجارة مع المغرب إلى حوالي 10.000 مليون يورو، بزيادة 33 في المائة مقارنة مع العام الماضي
– تراجع نسبة الهجرة غير النظامية بين البلدين بنسبة 25.6 في المائة الحد من التهديدات الإرهابية …
بهذا الاصرار والاقتناع بأهمية هذا المحور، وافضلية المغرب بالنسبة لإسبانيا ، تأكد بالملموس نجاحه في هذه المهمة الديبلوماسية حيث أعلن المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع، أوليفر فاريلي، عن قيامه بزيارة رسمية إلى المملكة المغربية ، من أجل التأكيد على استمرار التنسيق بين المغرب والاتحاد الأوروبي في مجالي الهجرة وحسن الجوار
هل نجاح محور الرباط – مدريد هو تمهيد لمخاض محور باريس- الجزائر ؟
بارك العاهل الإسباني هذا الجهود كونها ستتيح تعميق العلاقات الثنائية بشكل اكثر عمقا من أجل العمل معا على أسس أكثر صلابة .
عقدت امال كبيرة في الاوساط الاسبانية على الاجتماع الثنائي والذي سيبلور مرحلة تاريخية جديدة تضع حد لعهد الازمات الديبلوماسية بين البلدين.
كل هذا التفاؤل الاسباني لن ينسينا ان المملكة الايبيرية لها مكاسب جمة كما ان هناك ملفات ذات حساسية لا زلات غير محسومة يسود حولها تكتم رهيب.
1- الاستمرار في مراقبة المجال الجوي في الصحراء المغربية رغم إعلانها عن دعم مخطط الحكم الذاتي
2- التصريح العلني لوزير خارجيتة اسبانيا بأن المدينتين المحتلتين سبتة ومليلية اسبانيتان، وهذا اضفاء الا سباني عليهما ،وأنهما سيتحولان إلى مركزين جمركيين بين البلدين.
فالى أي حد ان هذا الاتفاق قادر على تذويب الخلافات الدورية؟
وهل من شأن هذا التفاؤل ان يستثمر لخلق محورا قويا اسمه الرباط مدريد؟
اسئلة كثيرة مضمرة قد تكشف الايام المقبلة بالإجابة عنها

في انتظار مخاض رسمي لمحور باريس – الجزائر يبدو ان الجارة الشرقية كعادتها التهور في تقدير خطواتها وقراراتها قد اغضبت موسكو بتنازلات كثيرة لباريس كوعود بصفقات ضخمة لأسلحة فرنسية عوض الأسلحة الروسية ، الأمر الذي دفع موسكو الى ردة فعل بنشر وزارة خارجيتها خريطة المغرب كاملة على موقعها الإلكتروني..
فهل فرنسا لها الجرأة للخروج بموقف واضح من قضية الصحراء المغربية؟ كل الفرضيات تبقى واردة في ظل التحولات والانقسامات التي يعيشها الاتحاد الأوروبي، خروج بريطانيا، قطب فرنسا-ألمانيا، ثم بروز إسبانيا كقوة صاعدة جديدة
5 Comments
تحليل واقعي أخي الكريم، لكن محو الرباط مدريد لازالت مقوماته ضعيفة و يحاول الاعداء ضربه في المهد من خلال التهديد بحرب قادمة ضد المغرب، و ذلك في انتظار التحاق ألمانيا و انجلترا بهذا المحور، في حين ان محور الشر (الجزائر-باريس) يسارع الزمن لِوَأد محور الرباط – مدريد و لو وصل الأمر الى نشوب حرب بين الجارين الشقيقين.
شكرا على تعليقك : هي محالة قراءة في حدث دولي
اعتقد أن هدا النص تنقص الأدلة والحقيقة والصراحة وهو نص توجيهي
إنشائي أكثر منه بحت أو مقال سياسي, نحن في زمن الذكاء الإصطناعي
و وفرة المعلومة ….
مع كامل الاحترام الواجب لتعليقكم فالمقالة هي قراءة في احداث واقعية تداولتها الصحف الدولية ومبني على تصريحات رسمية من مصدر موثوق ,M.A.P قد تتخلله بعض المواقف السياسية التي ليست في حاجة إلى توجيه من اي طرف
لا زلت في حالة استفهام حول مدى جدوى كلمتي الذكاء الصناعي ووفرة المعلومة في مقالة هي محاولة متواضعة لاستشراف ألآفاق للعلاقات الدولية في منطقة شمال إفريقيا بالنسبة للذكاء الاصطناعي كما تعلم يصنف في دائرة العلوم ألإنسانية ،قد نستعين بالعلوم لكن في حدود و كذا بالنسبة لوفرة المعلومة هنا يكمن دورنا في عملية التصفية ؟ شكرا على مرورك تحياتي
تعقيبا على جوابكم الكريم فالخطاب الرسمي عبر مؤسساته (M.A.P) يعتبر تسويق سياسي إستهلاكي توجيهي والحقيقة يعلمها الباحثون والمتتبعون للشأن الدولي و المحلي و حين دكرت الذكاء الإسطناعي قصدت أن المعلومة الحقيقية موجودة ولا يحتاج المتتبع الحدق أن يبدل مجهودا ليجد الحقيقة وهدا إن كان إستقصائيا و كفينا من الأبواق المخزنية …