Univers Bounaceur
فضاء الحوار ومنتدى الابداع

لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا..

مشاركة الموضوع

ذ نصر الدين السويلمي :

في الخامس من ذي القعدة أعلن سيد الخلق انه سيخرج للحج، انتشر الخبر في محيط

المدينة ثم توغل في قبائل العرب، وتقاطر الناس على المدينة حتى ازدحمت يثرب بالعاشقين، الكل يرغب في الانطلاق مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى القبائل القريبة من مكة تحمّلت مشقة السفر وارتضت ان يطول احرامها واصرت على الرفقة، حتى أن بعض القبائل تخلوا عن مواقيت قريبة على مشارف مكة ببعض الكيلومترات، واختاروا الاحرام من ذي حليفة الذي يبعد على الحرم المكي 433 كلم.ثم انه وفي الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة من السنة العاشرة للهجرة، تحرك الرسول صلى الله عليه وسلم من فناء مسجده في المدينة بعد ان استخلف أبا دجانة الساعدي الأنصاري، لبس عليه الصلاة والسلام قطيفةٍ لا تساوي أربعة دراهم ، وحين استوى على راحلته قال “اللهم حجة لا رياء فيها”.. خرج القائد يتبعه 100 ألف من حجاج بيت الله الحرام، وبعد 14 كلم من المسير وصل الركب الى ذي حليفة، ومن هناك، من أبيار علي احرم النبي واحرموا.. ليعطي إشارة الانطلاق لبداية أعظم حجة في الاسلام، حجةالدروس و الحزن والعبر والتاريخ.يتوغل الركب المبارك في الصحراء، وتغوص المائة ألف في الرمال الكثيفة، حتى أنها تلوح كموجة تتدحرج في محيط عميق، كسرب يتحرك فوق حلة برتقالية ناعمة ومترامية.. يمضي الزعيم، بينما الصحابة يحيطونه ويدفعون عنه الامواج البشرية الرهيبة التي تتزاحم وتقترب وتضغط على الدائرة المحيطة تبحث عن الالتحام براس الأمر كله.. الكل لا يعبأ بالشمس، الكل لا يتفقد اقدامه المتورمة، الكل لا يسأل كم قطعنا وكم سنقطع، فقط الكل يرغب في المشي بجانب النبي صلى الله عليه وسلم، وماذا تساوي الــ400 كلم وحتى الــ 4آلاف كلم حين تقطعها ويدك تمسك بركاب القصواء، والناس تلبي وانت تنظر الى وجه النبي من قريب، من على بعد ذروة قصواء ، ثم تردد “هذا النبي لا كذب هذا ابن عبد المطلب” .. وفيما الكتلة البشرية ترسم بصماتها فوق الحلة البرتقالية الشاسعة، ينزل جبريل يقول ” يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها شعار الحج”.. وتعال هاهنا يا أخي المشتاق، تعال واسمع حين بلّغ الرسول رسالة جبريل للناس، اسمع الى مائة ألف يلهجون في تناغم بديع، وحبات الرمل تشهد على ذلك والصحراء تشهد وتشهد السماء كما الشمس والله خير الشاهدين.وفي الثالث من ذي الحجة 10 هـ ، دخل النبي صلى الله عليه وسلم الى مكة المكرمة ، أناخ راحلته بالقرب من المسجد ودخله من باب شيبة لغاية في نفس محمد قضاها! باب شيبة الذي اعتاد الدخول منه في بداية الدعوة، يترك البنات مع أمهن وأمنا وسيدتنا، ثم وحده في حر مكة وهجيرها يقصد البيت ليواسي نفسه من كل ذلك الضغط والاذى، كان يدخل من باب شيبة ويتوجه وحده للكعبة حتى إذا سجد وضعوا عليه سلى الجزور، واليوم يدخل من باب شيبة يتبعه 100 ألف، وينحني الحبيب عند المدخل خجلا وتواضعا، ويصب القرآن رحيقه على المشهد صبا “وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ”.الآن بدأت المناسك ، الآن طاف الحبيب وطافت معه الجزيرة العربية التي مدته بفلذات أكبادها، صعد حبيبنا الصفا وهو يلهج بالقرآن “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّه” ثم المروة ثم منى ثم تتابعت الاركان.. ثم ها هي شمس التاسع تشرق، هاهي تشرق يوم الجمعة، وهاهو الركب يتحرك من منى الى عرفات ، هاهو الحبيب يرتاح في نمرة، ثم هاهو يتحرك مرة أخرى .. هاهو ينتهي الى بطن واد عرنة…هاهو على راحلته.. هاهو يستعد للخطبة يستعد للحديث بطريقة غير معهودة.. غير مألوفة! هاهو جبريل يجهز نفسه للنزول بآية حزينة عظيمة، هاهي دموع الصديق تستعد لتجري! تستعد لتنهمر!!! لماذا يقول الحبيب ” فإني لا أدري لعلِّي لا أحُجُّ بعد حجتي هذه”!!! لماذا يقول ” لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا”!!! لماذا يُشهد عليهم الله، لماذا كرر كثيرا “اللهم اشهد”؟ شيء ما يحدث او سيحدث! من مكة من عرفة يلمح الحبيب لشيء عظيم، زلزال كبير لا طاقة للناس به،.. إنّها لا تدمع عين الصديق من صغائر الأمور، لا تدمع إلا من الكبير الخطير الحمل الثقيل، عين ثاني اثنين لا تدمع من الاهتزازات الارتدادية، تدمع فقط من الزلزال العظيم…زلزال ثبتته سورة النصر .. سورة أشارت الى الخبر الجميل ، والخبر الثقيل! الخبر الحزين، اشارت إلى نصر الله كما أشارت إلى…..رسول الله صلى الله عليه وسلم.أفاطم إن جزعت فذاك عـذر وإن لم تجزعي فهو السبيـلفعودي بالعزاء فإن فيــــــه ثواب الله والفضل الجزيــــلوقولي في أبيك ولا تملـــي وهل يجزى بفضل أبيك قيـلُفقبر أبيك سيد كل قبــــــر وفيه سيد الناس الرســـــول.

نصرالدين السويلمي

0 Reviews

إقرأ أيضاً ...

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *