قراءة في كتاب الاعلام والدين للدكتور رشيد الجرموني

ذ . بوناصر المصطفى
عرفت الكتابات في مجال السوسيولوجيا عموما نوع من التقصير في التعامل بالجرأة المعهودة مع مواضيع في حاجة الى وضعها تحت مجهر البحث و السؤال ، فقد صدر أخيرا عن دار القرويين كتاب “الدين والاعلام في سيسيولوجيا التحولات الدينية” للدكتور المغربي رشيد جرموني محاولة منه التركيز على عملية التأثير والتأثر بين الدين والإعلام
يشكل هدا المنتوج للكاتب المغربي رشيد الجرموني موجة جديدة من البحوث والدراسات في المجال الديني، ما دامت ان الثيمات الكلاسيكية من ممارسات وسلوكيات وقيم وكدا الاتجاهات الدينية هي التي استأثرت باهتمام الباحثين في تسعينات من القرن الماضي خصوصا في المغرب.
وعيا من الأستاذ الجرموني بكون الضرورة العلمية أضحت ملحة للربط بين النظريات السوسيولوجية في تخصص علم اجتماع الأديان، وحقل الاعلام الديني باعتباره وسيطا جديدا بين المجتمع والأديان، يتجاوز الحدود التقليدية التي كانت سائدة بين المؤسستين، لدلك اعتبر الباحث في سوسيولوجية الدين رشيد جرموني ان علم الاجتماع الديني يساعد كثيرا في فهم الظواهر المتصلة بحقل الدين والإعلام ، وان ما يشهده الحقل الديني من تحولات عميقة وجوهرية تمس مختلف جوانب الحياة، لان طفو فاعلين اخرين في هدا الحقل بالذات ، وغياب دراسات في هدا الشأن يشكل خطورة على المجتمعات العربية الإسلامية، اذ ان الفتوى لم تعد مقتصرة على اولي الامر بل شملت دعاة جدد كنتيجة للانفتاح المفرط على الاعلام البديل أي وسائل التواصل الاجتماعي.
لدلك جاءت هده المساهمة لتقديم تفسير علمي لسياق نشوء الإعلام الديني في الوطن العربي، وليبين أهمية ربط النظريات السوسيولوجية المعاصرة بالحقل الديني، مع التركيز على العلاقة الجدلية بين حقلي الدين والإعلام.
فالتضخم الدي شهده الحقل الديني في التسعينيات اعطى حجما للفاعل الديني الإعلامي ، مما أحدث ضجة ادت الى تحولات في الحقل الديني عند فئة الشباب خاصة موجات:
عمرو خالد ومحمد حسان، وظهور موجات جديدة مع مؤثرين دينيين جدد أمثال رضوان بن عبد السلام وياسين العمري…
اذ لابد من التأكيد على أن هذه التحولات التي مست الحقل الديني، بظهور الدعاة الجدد، لها تداعيات خطيرة، خصوصا أن الفتوى عانت حالة فوضى، همشت السياق الاجتماعي و حتى مبادئ الدين.
فالدين لا يزال المؤطر الأساسي للبنيات الثقافية والاجتماعية ولمجمل الذهنيات
فكان لتراجع دور المؤسسات الدينية التقليدية لصالح الإعلام الديني ،وانتشار التدين الفردي وظاهرة التحرر لدى الشباب كلها هوامل ساهمت في اتساع سوق الفتوى لتشمل ما أسماه بالاقتصاد الموسيقي
دلك ان مرده الى كون علم الاجتماع في المغرب اقتصر على خدمة الإسلام واشتغل على فهم الديناميات المحركة للحقل الديني وما يتصل بها من قضايا الإرهاب والتطرف العنيف
الا انه في المرحلة الموالية بالتحديد مرحلة بداية الألفية الثالثة، انشغلت الأوساط البحثية والأكاديمية، برصد مختلف الفاعلين الذين يؤثرون في الحقل الديني ومنهم المؤسسات الإعلامية خصوصا مع التدفق القوي الذي حدث في هذه المرحلة.
فرغم ان الدين حافظً على مكانته في البنيات الثقافية للمجتمع ،فان طريقة تمثله وممارسته ومعايشته عرف تقلبات عبر مسارات معقدة ومركبة جدًا في الآن نفسه أي محاولة إعادة تعريف الدين في العالم المعاصر.
هده التحولات في المشهد التاريخي في علاقة الدين بالإعلام بالمغرب دفعت المؤلف للتعرض لبعض مظاهر التحول الديني في العالم في إطار نظري من خلال تنبؤات التي وضعها السوسيولوجيون الأوائل مثل (دانيال هيفري ليجي) و(بيتر بيرغر) و(لوكمان) الذي عرض فكرة كتابه الدين غير المرئي,
تطرق المؤلف كدلك في كتابه إلى الانتقادات التي وجهت لنظرية العلمنة من جانب العلماء الغربيين وكذلك الباحثين العرب المسلمين، كالمسيري وغيره من الباحثين.
فعمد الى شرح بعض من التحولات في المشهد الديني وخصوصًا دور الإعلام الديني فيه عبر تتبع تاريخي بدءًا من مرحلة الستينات والسبعينات من القرن الماضي، إلى مرحلة بداية الألفية الثالثة. حيث تلك التطورات التي أوردها مثل:
نزعة القداسة عن المؤسسات الدينية سواء الرسمية أو غيرها، ولعل من بين مؤشرات هذا التوجه بروز حركة «فردانية» عقلية الاستبداد؛ فيمكن القول أن هذه المرحلة تميزت بحدوث نوع من التجاوز لتيار حركات الإسلام السياسي أو «الإسلاموية» إلى موجة ما بعد الإسلاموية بوصفها مؤسسات دينية غير رسمية.
لكن التحولات التي جرت بينت مستويات جديدة من التدين التي تدل على «مشروع» ومحاولة واعية لإعادة صياغة المبررات العقلية لإدخال الإسلاموية في المجالات الاجتماعية والسياسية والفكرية.
فموجة الإسلام السياسي ربطت بين الدين والحقوق وليس الواجبات وذلك تبرير لموجات الاحتجاجات الأخيرة.
وحاول المؤلف توضيف هذه الفكرة في فهم أوضح للتقابل الذي حصل بين نمطين من التدين:
الأول مهادن يسعى إلى ترسيخ الطاعة لولي الأمر والثاني نقدي احتجاجي، لان تيار ما بعد الإسلاموية يقدم نفسه كمعارض في اتجاه إقرار تعددية في الآراء والمواقف والرؤى والتصورات.
وأشار المؤلف إلى ظهور أنماط جديدة من التدين (التدين الفردي نموذجًا) وجاء نتيجة طبيعية للتحولات الكبرى التي عرفها الحقل الديني، وهو ما يعني أن الفرد المسلم وخصوصًا الشاب يصبح مرجعًا لنفسه في الاستمداد والتلقي والممارسة والتوجيه والسلوك والتمثل، حيث يسقط كل المرجعيات والسلطة الدينية. سواء كانت تقليدية مثل المساجد والأسرة والزاوية،
أو حركات الإسلام السياسي. وحدث تحول في المشهد الديني حيث جعل الشباب من الجيل الجديد أكثر انفتاحًا في منطلقاته ومفاهيمه حيث أصبح يوظف مفاهيم عالمية بنفحة إسلامية كمفهوم الجهاد الالكتروني و النسوية الاسلامية و الاسلام الديمقراطي و المسلم المعاصر..