قراءة في سلم التنقيط ! وانتقال التقويم من الكيفي الى الكمي ؟

بقلم ذ .محمد اقديم :
النتائج المدرسية، وما تعرفه من مفارقات كبيرة، من تضخم مهول، نقط تتجاوز سقف 19\20 ، مقابل نقط أخرى تنحدر إلى قاع الصفر (00\20)حتى في المواد الأدبية والعلوم الانسانية، التي كانت سابقا من الصعب أن تنحدر إلى دون (05\20). وهذا ما كان غير معهود ولا معتاد الى وقت قريب(التسعينيات الماضية)، حيث لا تتجاوز أكبر المعدلات في مواد الآداب والعلوم الانسانية سقف 16\20.
كما أنها نتائج التلاميذ الناجحين(الحاصلين) على المعدل) تعرف تشتّتا كبيرا بين تَسَلّقِِ لنقط أقلية قليلة من التلاميذ لأعلى درجات سُلّم التنقيط(فوق 15\20)، وتَكَدُّسِِ لنقط أغلبية ساحقة التلاميذ في قاع سُلّم التنقيط(لا تتجاوز 12\20)، وضعف كبير في عدد التلاميذ الناجحين، الحاصلين على النقط المتوسطة المتراوحة بين (12\20 و 16\20)، ونفس التشتت تعرف نقط نتائج التلاميذ الراسبين الحاصلين على ما دون(10\20)، حيث الأقلية القليلة منهم حاصلين على النقط ما بين (08\20و 09,99\20)، والأغلبية تكدّست في ما دون(05\20). وضعف كبير في عدد الحاصلين على النقط المتراوحة بين الفئتين.
إن هذا الأمر مرتبط بالتحول الذي حدث في أنماط التقويم من نمط كيفي إلى نمط كمي.، فنمط التقويم المعتمد حاليا في مختلف الامتحانات ومباريات الولوج الى المؤسسات الجامعية والمعاهد والمدارس العليا هو نمط كمي( quantitatif) موضوعي متأثر كثيرا بمخرجات علم الإحصاء الوصفي(Statistique descriptive)، حيث يتم تحويل رياضيا المتغيرات الكيفية الى متغيرات كمية، فيتم وضع مقاييس (barèmes) دقيقة للأجوبة عن الأسئلة، مقاييس لا تترك للأستاذ المصحح أي فرصة ليقحم ذاتيته في تقييم الأجوبة( النموذج الكندي). فطرق وضع أسئلة الامتحانات، وآساليب صياغة الروائز، على شكل أسئلة مغلقة لا تحتمل سوى أجوبة دقيقة، آساليب قريبة الى حدما من طرق إعداد أسئلة الاستمارات الإحصائية، التي تسعى إلى استطلاع الرأي العام، وفي أحسن الأحوال الى سلاليم مقاييس الذكاء، وامتحانات تختبر التلميذ(ة) في المضامين والمحتويات(المعارف)، وليس في الكفايات والقدرات والأداءات والمهارات، رغم ما تتبجح به المناهج والمقررات من كونها تقوم على التدريس بالكفايات والأداءات، في تناقض صارخ بين تدريس يقوم على الكفايات والآداءات، وبين تقويم يختبر المضامين والمحتويات.
في حين كان في التقويم سابقا(الى غاية التسعينيات الماضية) نمطا كيفيا( qualitatif) ذاتيا مرتبطا بالسلطة التقديرية للمصحح بالدرجة الأولى، المتأثرة بدورها بالرصيد المعرفي للمصحح، لكي لا نقول توجهه الايديولوجي.
وإذا كان هذا النمط الكمي عاديا ومناسبا لتقويم المواد العلمية( العلوم الحقة)، وكان في السابق يقتصر عليها فقط، فكان مفهوما ومنطقيا أن تترواح النقط في امتحانات هذه المواد ما بين النقصة 0 والنقطة 20، فإنه قد صار حاليا يطبق كذلك على المواد الأدبية والعلوم الانسانية، التي كانت النقط سابقا تتراوح فيها، وفق النمط الكيفي للتقويم ما بين النقطة (05\20) و النقطة (16\20)، فصارت بدورها تتراوح ما بين النقطة (00\20) والنقطة (20\20).
أما على مستوى قياس التشتّت(écart type) الذي تعرفه نقط النتائج، سواء تعلّق الامر بنقط الناجحين أو تعلق بنقط الراسبين، بين أقلية قليلة تتسلق أعلى سلّم التنقيط، وبين أغلبية ساحقة من الفئتين تتكدّس في قاع سلّم التنقيط، وضعف شديد في عدد الحاصلين على النقط المتوسطة من الفئتين، فمن الممكن النظر إليه وتفسيره سوسيولوجيا، بالفوارق والأخاديد الاجتماعية الكبيرة التي حُفِرت بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تبنّتها الدولة، بين الطبقة المتوسطة السفلى(الهاشّة) من جهة وبين الطبقة الفقيرة المدقعة من جهة ثانية، وليس بين الطبقة المتوسطة، (التي فرّ الكثير من المنحدرين منها بأبناءهم إلى التعليم الخصوصي، كماأنها تعرضت لعملية نحت قوية خلال السنوات الأخيرة)، من جهة، وبين الطبقة الغنية(التي لم يعد أبناءها يدرسون بالمدرسة العمومية)، فالفوارق الاجتماعية تفاقمت واستفحلت كذلك بين الطبقة المتوسطة الهشاشة والطبقة الفقيرة الفقر المدقع. وهذا ما انعكس في التشتت المعياري(écart type) بين نقط التلاميذ المنحدرين الطبقة المتوسطة الهاشة(أبناء رجال ونساء التعليم خصوصا والموظفين عموما) وبين أبناء الفئات المحرومة من المنحدرين من العالم القروي ومن المحرومين العاطلين عن العمل في الوسط الحضري.
———–