فَانيدُ الحَلاوَة في تحقيق مُصطلح “الجِئَاوَة”

ذ . مولاي المهدي الفاسي الإدريسي جواني :
داخل المطبخ العربي، نقدّم لكم أحلى الأطباق على الجِِئاوة، فما الجِئاوة وما أهميّتها في الدرس اللغوي ؟!
مازلنا نتجوّل معكم في حدائق اللغة العربية نقطف من جناها الحلو أحلى الثمار، ونروّح الأرواح بألذّ مذاقٍ يمكن أن يطرَب له قلبٌ أو يهنأ له فؤاد أو يسعد به عقل، نُنسي بذلك هَزاهِزَ العيش وانشغالات دروب الحياة، حتى إذا ما خرجنا من هذه الجِنان اللغوية الباهرة، تأكّد من جِنَانِنا في جَنَانِنَا أن هذه اللغة المعظّمة المقدّسة صالحة لكل زمان ومكان، واليوم أبينا إلا أن نقرّب إليكم بعضا من مصطلحاتها ممّا تضمّنه المعجم العربي العتيد، فصارت به أغنى اللغات وأثراها على الإطلاق.
فإذا كنا البارحة تعرّفنا على أجزاء كيس المرأة العربية الحرة الأبيّة، اليوم نضربُ لنا لقاءً مع مصطلح عربيّ قُحٍّ فصيح عرفته العرب قديما، ويستعمله الناس حديثا ولا يعرفه إلا القليل، وهو من عمق المطبخ العربي، استدعيناه ليقف أمامكم حتى تعرفوا على وجه الحقيقة “الاسم العربي من فصيح لغتكم الغرّاء بالمعاني الدُّرَرِيّة والسَّحَّاء بالألفاظ الغُرَرِيّة”.
داخل المطبخ العربي الأصيل
يضعه الناس على موائدهم حتى لا تُحرق سخونةُ القِدر أو الصَّحْن غطاءَ المائدة، يقول له الإنجليز the trivet، ويَسِمُه الفرنسيون بقولهم: Dessous de plat، واليوم يحقّ لكل العرب أن يعرفوا اسمه العربيّ مفتخرين بكون أسلافهم من العرب هم الأسبق في تسميته واستعماله، فأقدَمُ معجمٍ ذكره – فيما نعلم – هو “القاموس المحيط” الفيروزابادي في القرن الثّامن الهجريّ، فيننا وبين هذه الكلمة سبعة قرون تقريبا من حيث وضعُها في المعجم إلى الآن، ثمّ احتضنته تِباعًا المعاجم العربية الحديثة كالمعجم الوسيط التابع لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، إنه “الجِئاوَةُ”.
حقيقة كلمة “الجِئَاوَة” تأصيلا وتأثيلا
الجِئَاوَة أيها القرّاء الأماجد بكسر الجيم وهمزة مفتوحة متوسِّطة على الياء وألف المد واللِّين بعدها مع واو مفتوحة وهاء مربوطة متطرّفة، هي قطعة من الجلد يضعها العرب تحت قدورهم الساخنة حتى لا تُحرق سخونتُها المائدة وغطاءها، وهكذا شرحه المعجمان السابقان، جاء في القاموس المحيط:
“جِئاوَة: وِعاءُ القِدْرِ، أو شيءٌ تُوضَعُ عليه من جِلْدٍ ونحوِهِ، كالجِياءِ والجِواءِ والجِياءَةِ”، أما القاموس الوسيط فجاء فيه:
“الجِئاوَة: شيءٌ من جلد ونحوه توضع عليه القدر. والجمع : جِئاءٌ”، أضيف أنّ لها لغة أخرى وهي الجِواءَة، ولهما نفس المعنى، والفعل منها، جَأَى القِدْر بمعنى جعل له الجِئَاوَة أو الجِوَاءَة، ثم توسّع الإبداع الإنساني في صنعه، فمن صنعه جلدًا على الأصل ومن صنعه خشبا ونحوهما، شهيّتكم أمام موائدكم الطيّبة طيّبة.
وهنا نَثْنِي عِنان القلم ونُمسك .
والله أعلم و أعظم وأعلى وأحكم جلّ في علاه
أخوكم مولاي المهدي الفاسي الإدريسي جواني تلميذ الشيخ الإمام سيبويه العصر مولاي أحمد أبا عبيدة المحرز رضي الله عنه وأرضاه وبارك الله لنا فيه ورحمه رحمة واسعة .
وعضو الهيئة العلمية لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات والأبحاث والإبداع ..كرسي البلاغة القرآنية والتفسير البلاغي وعلوم النقد والأدب وعلوم تقويم اللسان العربي العام والخاص