فرنسا وجريمة البثر في فصول تاريخ أفريقيا ؟

ذ . بوناصر المصطفى
لم يعد نطق إفريقيا إلا ويسيطر عليك جو من الشجون والتضامن المفروض عليك بقوة نظرا ما عاشته هذه القارة من ظلم وتعسف تجاوز الحدود ،في زمن صار العالم يصدح بحقوق الإنسان ، حالة شاذة أن تحرم ساكنتها من الحق الذي خولته لها بنود هيئة الأمم ونصت عليه منظمة حقوق الإنسان العالمية.
لم تسلم لا الأرض ولا الشعوب من التعسف بل سار تاريخها مبتورة فصوله ، قد تجد حقب تفاصيل كثيرة للتاريخ القديم الحجري ، فقط كتاريخ مشترك مع الإنسانية ، لكن هناك حقب لا تجد لها أي اثر، مع كثرة الفراغات الغير مبررة.
عودنا التاريخ بالا ينس تفاصيله ،إذ كشفت بعض الدراسات الأخيرة لتاريخ أفريقيا الغربية جنوب الصحراء ،ان المستفيد الوحيد من هذه الجرائم الإنسانية البشعة هي الدولة التي لها اليد الطولى والسبق لاستعمار والاستحواذ على خيرات اغلب مدن هذه القارة .
فأفريقيا غرب الصحراء في حقبة 1200 ميلادية ،كانت وعلى سبيل المثال لا الحصر في منطق مالي ،كانت هناك امبراطورية دولة بمعايير متقدمة نسبيا في ذلك العهد، أسستها أسرة كيتا لها برلمانها ،وجيشها النظامي، وجهاز التعليمي بمراكز جامعية ( تمبوكتو جنه وسيفو…)، وخزينة ،واقتصاد مدبر على نحو اكسبها استقرار وامن (وأنشطة زراعية كزراعة القطن والفول السوداني وأنشطة صناعية كاستخراج الذهب)
هذا التنظيم المحكم منح هذه الدولة وضعية متقدمة بسبعة قرون تقريبا على أوروبا ، حيث اقدم الإمبراطور أبو بكر كيتا بإرسال محاولتين لاكتشاف أمريكا أي ما وراء البحر. فعقب مجموعة من الحروب وصل منسا موسى إلى سدة الحكم دامت ثلاثة عقود ،وتوسعت الامبراطورية بتكوين اتحاد قبائل في الوادي الخصيب ،امتدت من ساحل المحيط الأطلسي بالجنوب حتى محط القوافل التجارية عبر غينيا النيجر والشرق، ازدهرت بالتجارة نحو الشمال و نتيجة الضرائب والكمية الفائضة من الذهب.
لكن ما لبث أن انخفض سعر الذهب بعد رحلة حج الإمبراطور منسا موسى بتبذير وسخاء مبالغ فيه ،نتج عنه تضخم أدى إلى عواقب وخيمة ،عادت على الإمبراطورية بفاجعة اقتصادية ،ورغم ذلك بقي الإمبراطور معتقدا انه يملك ما يكفيه من الذهب للعودة إلى موطنه وتسديد ما عليه من ديون. فبدا بعض القبائل بالاستقلال خصوصا تمبوكتو المركز.
بدا الضعف يدب في الامبراطورية رويدا ،فكان دخول فرنسا للبحث عن المواد الأولية ايدانا بالتعجيل بانهيار هذه الامبراطورية ، فاجهز على ما بقي من تلك التجارة وعلى الاقتصاد القوي لقبائل الطوارق بطرق خسيسة :
– استقدم تجار يونانيين ولبنانيين لمنافسة التجار العرب.
– قام بكل بشاعة باغتيال الآلاف أساتذة اللغة العربية ،نظرا لكون اللغة العربية كانت لغة العصر وعصب هذه التجارة آنذاك.
هكذا اضطرت فرنسا الدولة المبشرة بقيم الحرية والديمقراطية بالقضاء على حضارة أمة افريقية، لم تكتف باستغلال خيراتها و اغتصاب فرصتها في التقدم والتحضر، بل فرضت حماية وحجر بشكل وحشي على قرارات هذه الأمم ، فكانت عملية الحذف لكل ما يومئ لهذه الحقبة من وثائق وأثآر، كي لا تنكشف جرائمها .
هل يكفي الاعتذار ؟ ومتى تخجل فرنسا من هذا الماضي الدموي المخجل ؟
هل ستقبل الانسحاب من أفريقيا بإرادة أم تنظر نضوج ثورة جماعية مادام وجهها اصبح مكشوفا ؟
رابط التاريخ :