Univers Bounaceur
فضاء الحوار ومنتدى الابداع

غلطة الذكريات…

 غلطة الذكريات…
مشاركة الموضوع

بقلم ذ .نصرالدّين السويلمي:


عندما كنّا في البادية زرعنا الكثير من الأشجار، لكنّها قاومت العطش لسنوات…….. وماتت!
قلت في نفسي لماذا لا تموت في حينها دون مقاومة وهي تدرك أنّها بلا شريان حياة، لماذا تتعذّب ثمّ تفنى؟
كنت أشعر أنّها تلقننا فنون البقاء، كنت أشعر وكأنّ أشجارنا فئران تجارب تموت لنعثر نحن على مستحضر الحياة.
ثمّ نجحنا في البقاء على قيد الحياة وسط كلّ ذلك الجفاف اللذيذ والحرمان الممتع..
واليوم حين أرحل إلى الذكريات أزورها أشعر أنّني نزيل عندها
وحين تأتي بموعد أو على حين غفلة أشعر أنّها نزيلة عندي..
في سبحة أبي في ڨرداش اعتزل الصّوف قديما في أرضنا في طوب بيتنا الأوّل، في بئرنا المهجورة في زيتوننا الذي صمد دون بقيّة الأشجار، زيتوننا الذي قاوم العطش مثلنا، لكنّنا خذلناه! رحلنا وتركناه.. في كلّ تلك التفاصيل القديمة التي يكسوها الغبار، تجلس الذكريات صابرة لحكم الزّمن كأنّها عظام جمل مغروسة في قلب الصّحراء بلا ريح تكدّر انسجام الهيكل العظمي.
الذكريات من سلالة الدموع.. خليط من دموع الفرح ودموع الحزن
الذكريات كالجذوع.. تلك الجذوع الثمينة، لا فسيلة في الذكريات ولا بذور، كلّ الذكريات في شكل جذوع.. لا أحد يعود إلى مراعي الطفولة فيعثر على ذكريات صغيرة السّن.. كلّ الذكريات هرمة كمعطف جدّي السّميك كقبره المتآكل…
وتبقى غلطة الذكريات على جمالها وألفتها وحنانها.. أنّنا حين نقف عليها تحفز فينا الدّموع.. لا أحد وقف على ذكرياته الجميلة وقهقه أو حتى ضحك… مؤلمة هي الذكريات ككأس الشّاي السّاخن الذي تسارع أمّي إلى ارتشافه، تتمتّع بلسعاته قبل أن تبدأ في أشغال يوم كدهر يزيد.

نصرالدّين السويلمي

0 Reviews

إقرأ أيضاً ...

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *