ظاهرة التضليل في الاعلام البديل واشكالية الزمن السياسي؟

ذ . بوناصر المصطفى
طفرة كبيرة يعرفها علم التواصل وبمنسوب مرتفع، لكن كشعوب مستهلكة للتقنيات المبتكرة ماذا استفادت من هذا التطور في فن التواصل وعلى المنصات الاجتماعية ؟ الملاحظ ان صناعة المحتوى اصبحت اقرب الى التضليل منه الى نشر المعرفة العلمية ؟
لم تقف محاولات بعض الباحثين للتعرض الى هذه الظاهرة بمقالات منددة ، او ندوات تحفز على التحرك لوقف النزيف ، بل تعدتها الى اطلاق عريضة للوقوف سدا منيعا ضد انتشار التفاهة مادامت قد تحولت قدوة للأجيال القادمة .
فتوسع دائرة المؤثرين على حساب الفاعلين السياسيين والاعلاميين ،ادى الى تحولات عميقة في المجتمعات ، فاذا كان صانع المحتوى غير مقيد بقوانين وضوابط التحرير ،فان الاعلامي عامة او الصحافي على وجه الخصوص سجين اعتبارات اخلاقية مهنية لذلك تبقى من الاولويات اعادة الثقة بين المجتمع الصحافة ،والحسم للوقوف ضد اعلام التضليل، فقد حظيت هذه المواقع بمتابعة شوهت الذوق العام /وحولت البداءة والرداءة الى بضاعة رائجة ،

فهل يمكن اعتبار هذا التحول نسج لعقد اجتماعي جديد ؟
لم يكن لتوسع فضاء الكتابة بمساحات متعددة في هذه المواقع بشكل شبه مطلق ،الا نتيجة حتمية للشلل الذي اصاب المبدعين والمفكرين من اكراهات قيود النشر وتكاليف الطبع ومقص الرقابة وغيرها من العوامل ، اذ ساهمت هذه الفضاءات في توسيع بقعة النص الرديء وسوقا رائج للسرقات الادبية ،وتناسل الافكار الساقطة ،والاغلاط والنتوءات …لاهثة وراء المجاملات والتعليقات التافهة واللايكات بسخاء فتصنع من هذه الرداءة انتاجا وهميا صرفا .
انطلاقا من كون الإبداع والمعرفة تقيدهما شروط علمية بعيدة كل البعد عن حرية التعبير، فان رصد التفاهة والرداءة في هذه الفضاءات لا يمكن تبريره بكون هذه الفضاءات مجال حر للإنسان العربي لممارسة حقه في التعبير؟ لذا فانه من المستحيل اعتبار ما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي باي من الاحوال في مجمله إبداعاً، أو انتاج معرفي
ينطوي على حس إبداعي أو نقدي ظاهر، بل كناية وسائط للإخبار، للتواصل والحوار و لتبادل الأفكار… اذ هي فعليا وسيلة نشر قد تكون فاقدة للمصداقية، وغير خاضعة لمعايير النشر على غرار الجرائد والمجلات والمواقع التي تحكمها معايير مقننة ، وخط تحريري محدد ،مادام صاحب الصفحة ال هو الكاتب، المحرر والناشر، له سعي دائم وراء خليط من ركام الصداقات الفاقدة للثقافة النقدية، أو لملكة لتقييم النصوص.
اذ لم تعد وظيفة هذه الفضاءات تقتصر الاعلى صناعة الاوهام بجميع الوانها ، كما تعكف على صناعة نجوم في شكل فوضوي خلاق ، مع نحث اذواق خاصة خليط من العبث والابتذال والتشكيل ، لكن قد تظهر احيانا اخرى كموجة عارمة من الخواطر التي تحولت في حالات كثيرة ،الى كتابات جادة وممتازة ،اما بالبحث والدربة ، او الانتاج على منوال خاص ، تحت وصاية معينة ، لتصبح بالضرورة في النهاية نصوصا تستحق منك الاشادة. .
لكن الاغلب هو الجرم الذي امتهنه البعض ،بالتكريس والترويج لظاهرة التضليل واستصدار الرداءة وتسريع وثيرة هدر الزمن في حق امة تستجدي حرق المراحل لتعيش فرصة ترتاح من عذاب ضمير لازال يعيش حالة عتاب ضد التقصير المزمن
.
فاذا كانت الثورة الرقمية ذلك المجال الغزير لنشر المعرفة والتثقيف ، فانه يجدر بنا تحويل مواقعنا الافتراضية الى مهرجانات واقعية للتنافس على الابداع والمعرفة …
فالمشكلة الخطيرة تكمن في غياب المراقب الخبير، والقارئ الضَّليع القادر على التمييز بين الجيد والرديء.
ان النشر الرقمي عملة ذات وجهان فاذا كان تَّعميم التنديد في غالب الاحيان اجحاف في حق من له الكفاءة والاستحقاق فحرمت عليه فرصة العرض، الا ان هذا النشر الرقمي أتاح لزمرة وصولين التسلَّق دون وجه حق ؟فاضحي الفضاء الأزرق حضنا للرداءة على نحو متسارعٍ
لقد اكتفت هذه المواقع بفرز جمهور غفير لا يستجدي الا المحاباة ،لا يهتم بأدب الحديث ولا اخلاق الكتابة ،لا يتقن اصول القراءة ، ويحسن اطلاق ألاحاكم على النصوص في جهل تام بأصول النقد والكتابة.
فلنرفع القبعة لمبادرات مجموعات لها القدرة لممارسة عملية التقويم ،مادام هذا الاعلام البديل قد فرضته علينا العولمة بخطى متسارعة ، فيصبح السؤال عن وجودنا فيه نوع من الشدة لكن لا يتطلب الصمت لمواجهة الرداءة
.
لذا الخطورة في أن النصَّ المشوَّه لغةً وصياغةً قد حاز على إعجاب الكثيرين، ؟
إن الهدف البناء من هذه الكتابة التحلي بجرأة المواجهة واستثمار الطاقات الحقيقية ،حتى نتحاشى زرع الأوهام وادخال البعض في سراديب سراب ، يرى حلمه بلحاق الركب قد اعدمه دون تريث وهوادة. .