طاقات وأرحام للحرق والاستنزاف ؟

ذ .بوناصر المصطفى
احداث ومشاهد كثيرة تستفزنا في الإعلام سواء الرسمي أو المبتذل وتساءلنا عن كينونة هذا الإنسان ؟ لماذا لم يعد هذا الأخير عاقلا متحضرا في سلوكياته ؟ ولماذا فقد صوابه الفكري والسياسي ؟ إذ أن وجوده على ارضه لم يعد له معنى ،فتحولت طموحاته إلى الأدنى ؟ فهل استرخص حياته إلى درجة مغامرات انتحارية ؟
السعي للكسب هي وسيلة لتستمر الحياة، وليس لمقايضة الحياة بهذا السعي العنيف ،ليس غريبا أن يسيح الإنسان في الأرض بشكل فردي أو جماعي قصد الاكتشاف والتعايش ،لكن أوضاع بعض دول الجنوب الاقتصادية والسياسية كرست ظاهرة الهجرة إلى درجة الخلل ،فبعد أن كانت تلقائية عجلها الإنسان فتحولت إلى عميات سرية غير قانونية سميت غالبا بالحريك ، وهو موقف صارم لحرق الماضي والوثائق وبداية صفحة افتراضية جديدة يرسم أديمها الأمل وحياة الفردوس .
إن أهمية دراسة ظاهرة الحريك في أشكالها المتعددة اصبح ضروريا ملامستها ومقاربتها بشكل موضوعي وأكاديمي ،كونها أصبحت تفرض نفسها ليست كانتقال بشري من ضفة إلى اخرى فقط بل كظاهرة انتروبولوجية تكتسي طابعا اجتماعيا اقتصاديا .. كما أنها استهلكت كثيرا رغم كثرة الندوات والبحوث العلمية دون أن تكون هناك إرادة حقيقية للحد من انعكاساتها.
فالهجرة من القضايا الشائكة التي قضت مضجع المجتمع الدولي، فخطورتها على البلد المصدر والبلد المستقبل وحتى بلدان العبور
صار الترويج لها غير مقتصر فقط على الجهات المستفيدة ،بل ساهمت فيه جل وسائل ألإعلام بشكل وازن وغير مسؤول ،خصوصا بعد أن غاب الضمير المهني لذى صناع المحتوى في مواقع التواصل الاجتماعي فاصبح كل خبر قابل للنشر.
لا شك أن أزمة العمالة في الضفة الشمالية نتيجة شيخوخة هرمه السكاني ، دفع بالمسؤولين الى طلب عمالة شابة من الضفة الجنوبية ،في السابق كانت هذه العمليات تتم عبر وسطاء في الخفاء كعقود عمل شبه سرية، لكن وسائل التواصل الحديثة وكثرة العرض اخرج هذه العمليات إلى العلن.
فإسبانيا كأول بلد يطل على ضفتنا الشمالية ،كان المستفيد الأكبر من هذه الطاقات الشابة خاصة في الحقول ،حيث تحتاج في كل سنة إلى عمالة موسمية من النساء لا هداف استراتيجية ، كون هذه الفئة اكثر مردودية وعودتهن شبه مضمونة ، مادام العنصر الذكوري ، له تبعات بعد استقراره اقتصادية وخطر على القيم الثقافية والعرقية …
إذ انتشرت صور بإقليم القنيطرة ترسم حالة من الذعر بين نساء في كتل بشرية يتصارعن للفوز بفرصة الحريك صور تسيء للبلد وللإنسان ككائن كرمه الله تعالى .
كيف تراهن الدولة على تنمية العنصر البشري كرأسمال لا يعوض في خطاباتنا ؟ في حين أن كل تدابيرنا تسير عكس هذه التوجهات ؟
ألا يمكن أن تشكل خطر على الهوية المغربية واستنزاف عناصرها ؟ فالإحصائيات تشير إلى أن نسبة لا يستهان بها من المغاربة أصبحت تستهويه هذه المخاطرة، لدرجة أنها أصبحت ذلك الجسر والطريق السريع للغنى والهروب من أزمة فقر ومعاناة مفتعلة .
صحيح أن التقصير من الدولة حاصل بشكل جلي ،لكن حتى الإنسان خلق من عجل ،كان في طينته عجلة، والعجلة أن ترغب الشيء قبل نُضْجه، وقبل أوانه، قد يتعجَّل الإنسان الخير، وهذا أمر جائز، أما أنْ يتعجّل الشر فهذا هو الحمق والغباء بعينه، فالدول لن تبنى إلا بالسواعد الوطنية.
لمواجهة آفة الهجرة التي أصبحت تهدد كيانها القومي ،اتخذت الدول الأوربية اجراءات تراوحت بين ما يعزز الوقاية بتقديم دعم مالي للدول المصدرة وكذا دول العبور ، وما هو زجري بتجريمها بتهمة الاتجار في البشر، وكذا بعض القوانين التعجيزية بتعقيد اجراءات الاندماج في بلدان الاستقبال ، ولكن هدف الحقيقي هو حماية الهوية الأوربية من الزوال .
فماهي الخطط السياسية التي انكبت عليها الدول المصدرة في سياستها الأنية للحد من استنزاف طاقتها البشرية ؟
2 Comments
للاسف آفة الهجرة تتفاقم يتبعاتها والابداع اصبح فقط في طرق الهجرة السرية والتلاعب على القانون . شكرا استاذ على اراقة الحبر في سبيل هذه القضية التي تقض مضاجع من يحب وطنه.
شكر جزيلا على عبق مرورك وعلى تفاعلاتك الانيقة