رواد على باب الانقراض

عمر زويتة نموذجا
عادة اقتدينا بها كتكريم بعض الفاعلين عندما يتوقف موسم العطاء، فنعلن بهذه المبادرة الاعلان الرسمي لإنهاء دورهم فيحالون على دائرة النسيان.
لكن الاحرى أن هذه الكفاءات التي اختمرت تجربتها ،تحتاج إلى استثمارها في القطاعات التي اكتسبت وتراكمت تجربة لا يستهان بها، فيكون تحفيزها للتفرغ لتدبير جمعيات مدنية فاعلة معطاءة احسن هدية لبناء هذا الوطن
كثيرا ما نسمع ريبورتاجا عابرا أو نشاهد برنامجا تلفزيا يتحدث عن القراءة، لكن تبقى ثرثارات على الهواء ،أو فضفاضات لا ترقى حتى إلى مجرد خاطرة ،أو محاولة تلازم التحليل أو التنظير المستفز، والذي يفضي إلى مشروع يمكن أن يحدث تغييرا ولو طفيفا يوحي بالأمل؟
ومن هنا تحضرني حرفة من الحرف الآيلة إلى الانقراض و الزوال مع سبق الاصرار؟
إنها حرفة بائعي الكتب المستعملة في باب دكالة ..أو في بعض الأماكن بمدن المغرب عامة إنهم أناس اختاروا لأنفسهم هذه المهنة المهينة ،كونهم يعيشون في وسط كنز لا يعرف قيمته سوى من عايشهم إن مجهوداتهم وفضلهم على امة إقراء كثير. ….
نحن امة اقرأ لكن ماذا أحضرنا لأولئك الذين يحملون هذا الهم من مشاريع لإنعاش القراءة وضمان استمرارهم في هذه الحرفة التي لاتسمن ولا تغني من جوع؟
ماذا ا عددنا لمدينة تمددت أطرافها مكرهة ؟ مدينة في حلة الحاضرة المتجددة والاوراش الكبرى ؟
طيف من التصاميم التي غيبت المكتب في حركية تنكرت لأي بصمة ثقافية أو برنامج نموذجي للكتاب الحديث او المستعمل؟ حركية كرست معاناة حرفي الكتب في مجال يرسم الكاتب والقارئ و الممارس على الهامش، و يعطي صورة للسياسة الثقافية في هذا البلد، صورة تهدد هؤلاء ببرامج مزاجية، تتنوع حسب الفترات الانتخابية…لابد للمجتمع المدني و المثقف خاصة النزول من برجه العاجي وملامسة واقع يتأرجح بين أزمة الثقافة وثقافة الأزمة، واقع مل الخطابات واستعراض العضلات في منابر إعلامية او مهرجات التهريج و التمييع … لابد من معالجة إجرائية لوضع خريطة ثقافية داخل التجمعات السكنية او مشاريع في الحدائق العمومية… سواء قارة أو متنقلة…تسلم لهؤلاء الحرفيين الذين رفعوا التحدي لإنعاش القراءة واستوعبوا ثقل المعرفة… يدبرونها ويسهرون على ترويجها في برامج شتى ، قد نطلق عليها ” فضاء إقراء” أو” فضاء الكتاب” او اسم شخصية قدمت الكثير لهذه الحرفة … فتحية مني أولا لهؤلاء الأساتذة وكذلك لمن هم مدينون لهؤلاء بالكثير…
نستضيف في هذه الإطلالات الوثائقية احد رموز هذه المدينة واحد الرواد الدين قدموا لهذه الحرفة الكثير سواء على المستوى المحلي او الوطني، سنحاول أن نكشف عن خبايا تنم عن كنز تراثي لابد من إخراجه من الحيز الشفوي إلى مجال التوثيق انه السيد : عمر زويتة
في البداية وقبل تقديم ورقة عن شخصيته المعنوية أقول أن الشخص أرشيف لا يستهان به في تاريخ هذه المدينة التي يعتبرها هو عاصمة النضال الفكري و الإبداع بامتياز، كما أني وجدت صعوبة في التعامل مع مخزون ثقافي غزير تتداخل في رسائله الكثير من المواقف الرافضة للواقع الثقافي وللسياسة الثقافية .
بصفة عامة شخص عصامي اخذ المعرفة واحتك عن قرب على يد أساتذة مرموقين سواء دوليا : جان بول ساتر فيردان او خوان غوستي صولوا…. او وطنيا كالأستاذ عزيز بلال والأستاذ عبد الله ا براهيم… وأساتذة آخرين كمحمد البهبيتي…لا يتسع الوقت لذكرهم جميعا
– السؤال الأول : من هو عمر زويتة ؟ :
جواب-1 – : هو بكل بساطة ابن مناضل سياسي وفاعل جمعوي رئيس جمعية الوعي للكتبيين ، تربى في الزاوية العباسية بمراكش في وسط تقليدي هش أهله للمدرسة القرآنية ( الحضار) لكنه اختار حرفة مساعد في المخبز التقليدي( الفران) لان الأجر الذي كان يتقاضاه آنذاك أفضل من أسلوب العقاب المعتمد للتدريس ..
سؤال ـ2ـ ما هي الأحداث التي غيرت مسار شاب الخباز؟
جواب -2- الفترة العصيبة التي مر منها العالم بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة كانت كافية لتترك بصمة متميزة في حياتي، ففترة الخمسينات كانت فترة الانقلابات في إفريقيا بامتياز… كثورة الضباط في مصر1955 وفترة الحرب الباردة بين الرأسمالية و الاشتراكية وتأثيرها الفكر في الشباب آنذاك والطبقة العاملة عامة حيث كان التاطيرالفكري الجديد سببا في تكوين سياسي، محمل بهاجس ثقافي ممزوج بالجراءة في تعرية الواقع الاجتماعي و الاقتصادي وتأطير الطبقة العاملة .
سؤالـ ـ 3 ـ كيف تم تلقيح زويتة بأفكار جديدة رغم أن تكوينه لا يؤهله لتقبل هذه الثقافة الجديدة ؟
جواب: – 3- أولا في فترة الشباب كان ملجئي الوحيد هو فضاء الاتحاد المغربي للشغل في حي الرميلة في إطار الشبيبة العاملة من هنا بدا الهم الثقافي قراءة الاجرومية وتسهيل المنافع…و أنشطة مع الطلبة لكن كان لبعض التحولات الأثر الواضح في رسم معالم المغرب الحالي و كنت محظوظا الى حد ما
مقاطعا بسؤال 4 ما هي أهم التحولات ؟
جواب :
-4- لقد عرفت مصر في 1955 كما تعلمون ثورة الضباط وهي كما تعلمون فترة جمال عبد الناصر وكنتيجة لقيادة الجديدة توترت العلاقات بين البلدين واضطر المغرب الى التخلي على جميع الاطر المصرية وتعويضهم بأساتذة من الأردن وفلسطين و سوريا والعراق والشرق الأوربي بلغاريا رومانيا وهذا كانت له إضافته النوعية في الحقل الثقافي المغربي بدخول مناهج جديدة في تحليل النصوص ودخول الفلسفة الى مناهج التدريس فازدهرت القراءة والثقافة وساهم هذا في غليان فكري هام ساهم في تكوين جيل من المثقفين متميز في الساحة العربية و الدولية
سؤال 5 – هل تظن ان هذه الفترة كافية لإحداث تحول جذري بهذا الشكل ؟
جواب :
-5- لم تكن فترة تحول جدري بالنسبة للمغرب فقط بل بالنسبة لي كذلك فانشغالي بالهم المعرفي كان سببا في انتقالي ليس فقط بين المخابز بل من مسقط راسي مراكش الى البيضاء وتحديدا درب الشرفاء حيث بدأت اتجه الى التجارة بيع بعض الكتب وتعويضها وشراء أخرى لكن في سنة 1966 بالتحديد وقع الإقبال على الكتب الفلسفية ومن هنا بدأت ملامح الحرفة تأخذ مسارها نحوي فاختارتني قبل أن اختارها لا عود بعد ذلك إلى مراكش لتبدأ رحلة المعاناة ..
* سؤال6 – من هم المثقفون الذين اثروا في تحيد مسارك الفكري ؟
جواب:
– 6- الكتاب الذي كان له الاثرالكبير في حياتي “حرية الفكر وأبطالها في التاريخ” لسلامة موسى هدا الكتاب الذي قراءته مرات عديدة كما ظهرت كتابات الأستاذ عزيز الحبابي ….
* سؤال7-: تحدثت عن المعاناة هل لك أن تحدد لنا بعضا منها ؟
جواب:
-7- بعد عودتي من البيضاء كنت ابحث عن مجال لعرض الكتب وكانت جامع الفناء الأنسب وكان
الرواج بشكل ملفت وخصوصا حين تاجرت في بعض الكتب العائدة من الجزائر.. لدرجة ان السلطة بدأت
تتجه نحو محتوياتها وبالتالي بداية القلق و المضايقات والاستفزازات اللامتناهية ونظرا لطبيعة المناهج الجديدة بدا الصراع داخل المؤسسات التعليمية بين القديم والجديد بين من يرغب في البقاء سجين مناهج متردية واخر يبحث عن تجديد معلوماته وأفكاره للتأقلم مع الحداثة هكذا انتصر رواد التحديث وبدأ عصر الازدهار والإنتاج الثقافي لكن هذا رفع من درجة قلق السلطة
* سؤال8 – :هل لك ان توضح اكثر طبيعة هده المعاناة؟
جواب:
-8- غليان الساحة الثقافية في السبعينات وارتباط ساحة جامع الفناء بالحكواتي دفع اليونسكو الى إعطاء الساحة صدى عالمي، حيث كان سوق الكتب في جامع الفناء له زبناءه ورواده من أمثال جان بول سارتر وبول باسكون وطلبة ومهتمين أصبحوا وزراء فيما بعد ومن هنا بدأت سلسلة التهجير بعد ان طلب منا إفراغ الساحة كمجال انسب لعرض مكانة الفعل القرائي في ثقافتنا لكن في عهد محمدا لخليفة والذي رسم لنا صورة وردية و حدد لنا فضاء خلف مسجد الكتبية ما فتئ ان تبدد الحلم واستيقظنا على وقع كابوس تشردت فيه الأسر وتشردت معها كتب قيمة ضاعت في التنقل او بيعت بابخس الأثمان في سوق الخميس او ما شابه ثم حدد لنا عرصة البيلك بثمن باهض لكن جاء مهرجان الأغنية الغربية في 1985 اعادتنا الى ما هو اسوء نقلنا الى جانب المقبرة خلف الكتبية …
* سؤال -9: اظن ان هناك تفاصيل كثيرة لكن هل لك ان توضح نقطة التحول في هذه المأساة ؟
جواب -9- لابد ان هناك نقط مضيئة في مسار هذه الحرفة فقد كان الفضل بعد الله عز وجل لقائد سابق سيدي بلمجاد رحمات الله عليه في تنظيم الحرفة في الساحة في 1972مع تسليمنا بطائق لكن التهجير و الركود كاد ان ينسف جهودنا ومقاومتنا ، وهنا لابد أن اذكرالاستاذ محمد نجيب البهبيتي الذي تكلف بتمويل مشروع مكتبة الوعي في الرميلة والتي كانت تعرض كتب الحديث والتفسير …. وهي مساعدة من ماله الخاص حيث رفع من معنوياتي كثيرا ورغم ذلك بقيت المضايقات مستمرة مما دفع بي إلى التفكير في فكرة مكتبة الوعي المتنقلة كاجتهاد مني لتقريب القارئ او المهتم من الثقافة والقراءة …
* سؤال-10 : ما مصير هذا المشروع الخلاق ؟
جواب -10-المسالة فيها تحويل هذه الفكرة الى مجموعة من المعارض
فقد كنت سباقا الى تنظيم معارض في افتتاح كلية اللغة 1986 ومعرض كلية العلوم ومعرض الخزانة البلدية، ومعرض يوسف بن تاشفين، وتنظيم معرض خاص بمهرجان مسرح الهواة وهو خاص بكتب المسرح أمام ثانوية بن عباد وبدون رخصة، وأسبوع ثقافي في ثانوية الزهراء خاص بالفلسفة بتعاون مع أصدقاء الفلسفة،
كما كنت سباقا لطلب تنظيم اول معرض بالسجن المدني لم أحض بشرف تنظيمه الا في 2004، لكن السؤال من خلال كل هذه المجهودات لم يسبق لوزير ان دشن معرضا من هده المعارض وهذا لا يحتاج الى جواب…
اكتفي بهذه الجرعات المرة التي احتسيناها رفقة هدا المناضل من الوزن الثقيل الذي لازال يصر على تبني مشروعات رفقة بعض زملاءه لتأطير وتنمية القراءة عند الجيل المعاصر نكتفي بالختم بنبرة امل تصدر صرخات لا تستجدي بل تنبه بان التاريخ يكتب
كثيرا ما نغازل الكتاب فقط للرغبة في التلذذ بمتعة الحرمان والاصطياد في الماء العكر او التظاهر بمظهر المثقف أو مظهر المنقذ من الضلال ؟ لكن ماذا قدمنا لهدا الكتاب الجحود و التنكر ؟في مقابل ما قدم لنا هو ؟
اذا كان ابن خلدون يعرف القراءة على إنها متعة التجول في عقول الآخرين دون الاضطرار لتحمل رعونتهم فان الكتاب في نظري هو بحر أليف يبعث فيك الحلم ويعلمك ثقافة البوح والكلام ،هو سيف يكسر كل أسوار الظلام و الكتاب سلاح خفي صامت يحول الضياع إلى مكسب الوقت إلى ذهب ويجعل الهزيمة تنقلب بهدوء إلى انتصار، والسجن إلى حرية ،وينقلك من دهاليز الضلال إلى منبر الحقيقة…
بوناصر المصطفى مراكش
Maroc 0/18