رهانات المغرب الاقتصادية على الشرق الاقصى اي تداعيات محتملة ؟

ذ . بوناصر المصطفى
كانت زيارة الملك محمد السادس إلى الصين اشارة الى رغبة المغرب تنويع شراكاته الاقتصادية في وقت كانت معظم المصالح الاقتصادية المغربية لا تزال مرتبطة بالدول الغربية، فكانت الصين تلك المحطة في الانفتاح على الشرق الاسيوي، نظرا للآفاق الجيدة للشراكة بين المغرب ودول هده المنطقة الواعدة والتي اضحى لها وزن في عالم يسيطر عليه الا ضطراب و الضبابية على جميع المستويات.

يعتبر المغرب أول دولة في شمال إفريقيا تلتزم بتنفيذ خطة مبادرة الحزام واعادة التوهج لطريق الحرير
فرغبة الصين في الاستمرار في توسيع نفوذها غربًا بالتركيز على المغرب كموقع جغرافي يجعله نقطة ترحيل قيمة بين أفريقيا وأوروبا بالنسبة للصين ، التقت هده الاهداف بعزم المغرب السير بخطى تصاعدية ليصبح بوابة استراتيجية ذات أهمية للبحر الأبيض المتوسط. الا أن الاستثمار الصيني في المغرب كن السباق في اطلاق مبادرة الحزام والطريق” الصينية هذه، حيث يتم اعتماد التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية الصينية في جميع أنحاء البلاد في العديد من الصناعات.
لم تكن رؤية المغرب تقف عند رغبة في تنويع شراكاته الاقتصادية بل هدفه الحصول على وضعية تفاوضية أفضل مع الاتحاد الأوروبي، فقد جاءت مبادرة “الحزام والطريق الصينية” في وقت مثالي بالنسبة للمغرب.
اطلق البلدان في 2016، الاعلان عن عقد شراكة استراتيجية بتوقيع العديد من الاتفاقيات في مجموعة من القطاعات الاقتصادية اذ وقعها كل من الرئيس شي والملك محمد السادس فاعطت الصين الضوء الاخضر لرفع استثماراتها بشكل كبير في المغرب قبل أن يوقع هذا الأخير رسميًا على مبادرة “الحزام والطريق
تعددت هده الاستثمارات لتركز على الصناعة والتجارة الحرة والمراكز المالية، وشملت كذلك في القطب المالي للدار البيضاء Casablanca Finance City، والمركز اللوجستي الإقليمي لهواوي في مجمع ميناء طنجة المتوسطTangier Med Port Complex، والشراكة معChina Communications Construction Company لبناء مدينة محمد السادس التكنولوجية بطنجة “طنجة تيك.

انطلقت منذ شهور،جولة “موروكو ناو” حيث كانت تحت من تنظيم الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، بقيادة محسن الجزولي، الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلفة بالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية، بكل وعودها.
اذ ان النتائج التي تم تحقيقها تدل ليس فقط على ارادة المغرب للتموقع في عالم ما بعد كوفيد، ولكن أيضا على تصميم البلدان المستهدفة على تعزيز الشراكة مع المغرب الذي يخطو خطوات كبيرة ليفرض نفسه كقوة صاعدة.
لقد كان اختيار البلدان المستهدفة بالحملة الآسيوية لـ “موروكو ناو” حكيما وذكيا في آن واحد، لأن الأمر يتعلق بقوى اقتصادية لا محيد عنها في عالم اليوم والغد، ويكفي هنا ذكر كوريا الجنوبية، واليابان، وسنغافورة، والهند، والصين، وهي الدول التي تستحوذ على نصيب الأسد من الاقتصاد العالمي.
وفي كل مرحلة من مراحل الجولة، من نيودلهي لطوكيو عبر سيول وشنغهاي، فإن الاهتمام واحد، وهو الاستفادة من جاذبية المغرب الذي يتميز بالعديد من المؤهلات الأساسية لعالم الأعمال.
فالمملكة توفر الاستقرار الذي تعززه رؤية واضحة للمسار الذي يتعين أن يسلكه مستقبل البلد، وبنى تحتية لا تقل شأنا عن تلك الموجودة بالدول الأكثر تقدما، وخصوصا إطار قانوني يتحين باستمرار لتوفير جميع الشروط، وضمانات النجاح والتوسع للمستثمرين.
ويتعلق الأمر بعوامل تعطي للمغرب حضورا دوليا وتواجدا على رادارات المستثمرين في دول شرق آسيا والعالم.
ومن خلال الجولة الآسيوية لـ “موروكو ناو” كانت رسالة الوفد المغربي واضحة. المغرب بلد منفتح على عالم الأعمال، مع أسس قوية للاقتصاد الكلي، مكنت المملكة من مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين وجذب المزيد من الاستثمار من العديد من الشركات الدولية، التي تعتبر المملكة الآن منصة مهمة للأسواق الأخرى، لا سيما في افريقيا.
كل مرحلة من الحملة الترويجية الآسيوية، كانت العروض المغربية مغرية سواء خلال الموائد المستديرة واللقاءات مع رؤساء شركات البلدان التي تمت زيارتها.
ردود فعل المحاورين الآسيويين جد إيجابية، ومن بينهم شخصيات مؤثرة جدا على المستوى السياسي والاقتصادي، معتبرين أن دخول المغرب لأسواق شرق آسيا أصبح حقيقة يتعين أن تتجسد من خلال المزيد من الاستثمار والمبادلات على أساس التعاون رابح – رابح.
وهكذا تم عقد شراكات، من قبيل تلك التي تربط الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات ونظيرتها اليابانية. وفي هذا الصدد، تم اقتراح تنظيم منتدى للأعمال بين القطاع الخاص المغربي والياباني، لتوسيع التعاون في قطاعات جديدة لتشمل الطيران وصناعة السيارات والطاقات المتجددة.
في كوريا الجنوبية ، جاءت تجربة شركة “هاندس” الكورية المصنعة للسيارات التي أحدثت أول موقع إنتاج لها بإفريقيا سنة 2020، كتجربةناجحة لشركة كورية جنوبية بارزة المغرب، ونموذج يحتذى به.
اذ استهدفت الشركة المعدات الأصلية للسيارات مصنعين بارزين على الصعيد العالمي، من قبيل “بي اس اي” و “رونو”، و “نيسان” و “بي ام دبليو” و “، و “هيوندياي”، و”فورد”، و”كيا”، و”سكودا” ، و”سيزيكي”، و”كريزلر”.
ولم يترك رئيسها سيونغ هيون تشانغ فرصة تواجد “موروكو ناو” بسيول تمر دون الحضور والتطرق أمام المشاركين لنجاح مجموعته في المغرب، حيث قال في هذا الصدد “أوصي جميع الحاضرين هنا على اكتشاف الحلم المغربي”.
وفي شنغهاي، الحاضنة المالية للصين، ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، حظيت المنظومة المغربية لتطوير صناعة السيارات باهتمام خاص.
كل هده المؤشرات لم تثن المغرب عن التزامه القوي في عملية تقليص استهلاك الطاقة من خلال استخدام الطاقات المتجددة في هدا القطاع، ذلك أنه سنة 2022، جاءت نسبة 41 في المائة من القدرة المركبة للسيارة من انتاج خالي من الكربون، والهدف سنة 2030 هو الانتقال لـ 64 في المائة.
وأثارت هذه التطورات اهتمام المصنعين الصينيين، وذلك عبر توقيع مذكرة تفاهم مع “منطقة ووهان للتنمية الاقتصادية والتكنولوجية” هي فرصة مهمة للكل لتقديم خبرته في مجالات تعزيز وتنمية الاستثمارات الصينية بالمغرب.
لاشك ان هده الشراكات الجديدة، التي تم توقيعها في مختلف مراحل الحملة الترويجية الآسيوية، يترقب أن تفتح آفاقا واسعة للمغرب، الذي يشكل محط اهتمام كبير من طرف المستثمرين، الذين يؤمنون بالاقتصاد المغربي ويعتبرونه فرصة كبيرة لأعمالهم.
قد لا نختلف ان مبادرة الحزام والطريق مشروعا رائدا وبرعاية من الرئيس الصيني شي جين بينغ، باعتباره أضخم برنامج للبنية التحتية للاستثمار الصيني في العالم والمقام في إفريقيا حيث يقدر بنحو 153 مليار دولار بين عامي 2019 و2020 وحافزًا اقتصاديًا رئيسيًا غطى بذلك فراغًا في الاستثمار الرأسمالي والبنية التحتية المادية وتطوير التكنولوجيا ذلك الفراغ الذي عجز عنه الشركاء الغربيون .
في هذا الصدد، سبق للحكومة الصينية في 2015 ان قدمت مشروع “طريق الحرير الرقمي” كأحد مكونات “مبادرة الحزام والطريق”، وهي في الأساس تغيير العلامة التجارية لأبعاد تكنولوجية والتي تشمل “تطوير قطاع الخدمات الرقمية، مثل التجارة الإلكترونية العابرة للحدود والمدن الذكية والتطبيب عن بعد والتمويل عبر الإنترنت كما تهدف هذه المبادرة إلى تسريع التقدم التكنولوجي بما في ذلك الحوسبة والبيانات الضخمة وأنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وبلوك تشين (سلسلة الكتل) والحوسبة الكمية
ان اعتمادا على “طريق الحرير الرقمي”، ترمي من خلاله لتمهيد الطريق أمام الشركات الصينية لتصبح أنموذجا معياريا لتقنيات الاتصال في جميع أنحاء العالم وزيادة تأثير الصين على التكنولوجيا والأمن الالكتروني ومعايير المراقبة
الا ان الشراكة مع الصين تستدعي ذكاءا مضاعفا حيث كثيرا ما تتجنب المظاهر الاقتصادية التي يتم تسويقها دون الاستناد لدراسة مدى مصداقيتها لتفادي مخاطرها .
ان اعتبار طريق الحرير الرقمي من وجهة نظر غربية تبقى تبريرات واهية مادامت مخاطر الاستثمار عموما هي نفسها مماثلة لتلك في القطاع الخاص عند مقارنتها بالمكاسب الاقتصادية فان كانت هده الالطريق على المدى القصير، قد تخدم طريق الحرير الرقمية المغرب في تعزيز بنيته التحتية الرقمية، الا انه لايجب ان نغفل التداعيات الطويلة الامد والمرتبطة بالاعتماد على التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية الصينية تخلق مخاطر جسيمة بالتجسس الإلكتروني، وجمع البيانات الجماعية، والنفوذ السياسي الذي لا ينبغي تجاهله.
امن الطبيعي اعتبار هده الشراكة براغماتية ففي الوقت الذل ترمي فيه استراتيجيةالمغرب الرقمية 2025
تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
إنشاء إدارة رقمية ناجحة ، إنشاء اقتصاد تنافسي قائم نظام إيكولوجي مبتكر رقميًا؛ وثالثاً، تعزيز مجتمع دامج بفضل الاتصال الرقمي واسع الانتشار ، فان الشركات الصينية اعطت للمغرب دفعة قوية كدولة ثاعدة رائدة على المستوى الافريقي قد تكون كل هذه التطلعات لم تؤت ثمارها بعد. لكن اقتراح مدينة طنجة التقنية “طنجة تيك” لمدينة صناعية وتكنولوجية واعتماد شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة، هواوي، كشركة صينية رئيسية ذات صلة بالتكنولوجيا لتطوير مشاريع “طريق الحرير الرقمي” في المغرب، من المرجح أن تلعب دورًا محوريا في تنمية هذه الثورة الرقمية . وقد أنشأت الشركة بالفعل مركزًا لوجستيًا في ميناء طنجة المتوسط، ويوفر تكنولوجيا الاتصالات للمكتب الوطني للسكك الحديدية الوطني ، حيث تنخرط بقوة في أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية في جميع أنحاء البلاد
بكل تجرد فان الهيمنة الصينية في القطاع الرقمي المغربي بغض النظر عن تداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية والأمنية الجسيمة قد اكون افضل من شراكاتنا القديمة لكنها لا تخلو من مخاطر تستدعي منها التريث واخد حميع الاحتياطات الممكنة بالرغم من كون المغرب ابدى تفضيلا لسياسات عدم التدخل المعلنة للصين. على عكس الشركاء الغربيين.
فهل ستكون سياسة الحياد في خدمة مصالح الصين الاستراتيجية ؟
الى اي حد يمكن ان تضحي الصين بعلاقاتها القوية والمربحة مع الجزائر في حالة صراع دولي وظهور تحالفات جديدة ؟
.