رجاحة المغرب في ربح رهان المفاوضات مع الاتحاد الأوربي؟

ذ بوناصر المصطفى :
ارتبط ملف الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي بتاريخ مرير من التشنجات من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري في شروط متباينة، الا ان هدا الملف يعتبر استراتيجيا وجوهريا بالنسبة للجارة إسبانيا، وهي التي تضغط دائما من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي بأقصى سرعة، خصوصا وان المملكة الاسبانية في هده الآونة تترأس الاتحاد الأوروبي ستركز على هدا الملف في اجنداتها كأولوية.
كانت سنة 1999 تلك المحطة التي ستوقف مسار الاتفاقية التي ستجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي، والتي وقعت في الأشهر الأخيرة لوجود الاشتراكي فيليبي غونزاليس في السلطة، و سعى إلى تجديدها مع قرب انتهاء صلاحيتها في شهر نونبر فترة رئيس الوزراء الجديد اليميني خوسي ماريا أثنار، اندلك اعتبرها المسؤولون المغاربة أنها آخر اتفاقية ستجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي.
الا ان الدبلوماسية الإسبانية سعت بكل ثقلها لإعادة فتح الملف، كونه يكتسي أهمية خاصة في العلاقات المغربية-الإسبانية، فمدريد تعتبره ملفا أساسيا يوفر مناصب شغل مهمة، خصوصا في أقاليم الأندلس وغا ليسيا وجزر الخالدات، والمرتبطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بالصيد في المياه المغربية.
وعلى الرغم من الوضع الذي فرضه المغرب والاتحاد الأوروبي على إسبانيا، فقد تعددت اللقاءات بين الدبلوماسيين الإسبان والمغاربة خلال الأشهر الأخيرة قبل وفاة الحسن الثاني لتجديد اتفاقية الصيد البحري، وخلال زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب، أعد التهامي الخياري، الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الصيد البحري، بأمر من الملك الحسن الثاني، عرضا حول اتفاقية جديدة، لكن العرض لم يلق استحسانا لدى الطرف الإسباني، لدرجة أن الملك خوان كارلوس – الذي تسلم العرض مكتوبا بالمطار أثناء مغادرته المغرب بعد حضور احتفالات الملك الحسن الثاني بعيد ميلاده السبعين – لم يسلم تلك الوثيقة أبدا إلى رئيس وزرائه خوسي ماريا أثنار.
وفي 13 و14 يوليوز1999 اثناء زيارة وزير الصيد البحري الإسباني خيسوس بيسادا المغرب، حصل على بعض الضمانات بالشروع في مفاوضات، الا أن وفاة الملك الحسن الثاني بعد أسبوعين لم يكن مسموحا فتح أي ملف ،مع ان الحكومة الاسبانية كانت مصرة على اثارة الملف ولو على الجانب أثناء حضور جنازة الملك الراحل الحسن الثاني، لكن اللحظة لم تكن مناسبة للخوض في أي قضية سياسية.
تروي الرواية : أن محمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي خلال تلك المرحلة، حكى له ما يلي: ((إنه يوم جنازة جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وخلال مراسيم الدفن، أمرني جلالة الملك محمد السادس بالوقوف مع الضيوف الأجانب، وكان هناك عدد كبير منهم جاؤوا من مختلف ربوع العالم، وفجأة أحسست بيد توضع على كتفي، وعندما استدرت، وجدته الملك خوان كارلوس الذي خاطبني قائلا: بن عيسى، هل يمكنك أن تسدي لي معروفا؟ فقلت له: بطبيعة الحال يا صاحب الجلالة، فقال لي: سأحاول تدبر الأمر، فالآن تمر مراسيم الجنازة، وربما الظرف غير ملائم، فقال لي تقوم بذلك عندما تستطيع.
وافق الملك محمد السادس بعد دلك على اللقاء على أن يكون يومي 16 و17 غشت 1999 ، الذي ، وجاءت زيارة الوزير الاول أثنار للمغرب ، إلا أن الرجل وعروضه غير مستساغة نتيجة المواقف المتباينة بين الطرفين ، فالمغرب لم يكن يرغب في تجديد الاتفاقية لإعادة صياغة بشروط جديدة في محيط دولي مختلف وأسواق متنوعة ،في حين ان الاسباني اثنار كان يرى في المغرب حاجته الماسة الى هده الاتفاقية لتسديد ديونه وحاجياته .
تصلب مواقف الطرفين أدى بالمحادثات الى التعقيد ، احداث باعدت كثيرا في المواقف وقادت الجارين إلى الدخول في متاهة من الأزمات، وقد تجلت أول محطة ،ل خوسي ماريا أثنار إلى سلوك استفزازي بزيارة مدينة سبتة المحتلة في 9 يناير 2000، وتصريحه بأن المدينتين المحتلتين إسبانيتان، ومن هنا بدأت قصة أول أزمة في الألفية الثالثة التي كانت أزمة جزيرة ليلى أهم تجلياتها، وقوف البلدين الجارين على حافة الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة لولا التدخل الأمريكي.
اخدت العلاقات انطلاقة جديدو بقدوم الحكومة الاشتراكية بقيادة لويس رودريغيز ثباتيرو، من أجل أن تتخذ المفاوضات بين المغرب والاتحاد الأوروبي اتجاهها نحو تجديد الاتفاقية في ملف يتحكم فيه المناخ السياسي أكثر من الإجراءات التقنية، لذلك أدت جولات المفاوضات إلى التوقيع على اتفاقية للصيد البحري بين الرباط وبروكسيل في يوليوز 2005،
علاقة المغرب مع هذه الحكومة لم تكن مشجعة ومنفرجة ، حيث شهدت توترات في مناسبات عديدة، وبعد نهاية هذه الاتفاقية، تم التوصل إلى اتفاق جديد قبل نهاية الاتفاقية بأيام قليلة لتمديد سريان هذا البروتوكول لسنة إضافية بالشروط نفسها، واستمر العمل به إلى غاية دجنبر 2011، إذ رفض البرلمان الأوروبي المصادقة على البروتوكول، وبادرت السلطات المغربية، ممثلة في وزارة الفلاحة والصيد البحري، إلى مطالبة الأسطول الأوروبي بمغادرة المياه المغربية بعد قرار البرلمان الأوروبي، وبطبيعة الحال، كانت إسبانيا الأكثر تضررا من هذا القرار، إذ أن البواخر الإسبانية تمثل حوالي 90 في المائة من العدد الإجمالي للبواخر الأوروبية التي يخول لها الاتفاق الصيد بالمياه المغربية، وظلت إسبانيا تضغط على الاتحاد الأوروبي من أجل تجديد الاتفاقية، كما تطالبه، في انتظار التوصل إلى اتفاق، بتعويض أرباب البواخر المتضررة.
لم تكن حكومة خوسي ماريا أثنار حكومة جديدة بقيادة الاشتراكي لويس رودريغيز ثباتيرو، وهي التي وقع المغرب في بدايتها على اتفاقية صيد بحري جديدة مع الاتحاد الأوروبي احسن من سابقاتها.
وكان موقف المغاربة ما صرح به سعد الدين العثماني وزير الخارجية المغربي خلال تلك الفترة لصاحب كتاب “الجوار الحذر”، وهو كالتالي: ((إن المغرب مبدئيا غير رافض لاستئناف المفاوضات بشأن الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، لكننا قلنا للإسبان أنه من غير المعقول أن نتفاوض ويأتي البرلمان الأوروبي في النهاية للتصويت ضد الاتفاقية المتوصل إليها، وطالبناهم بأن يقوموا بالمفاوضات داخل الاتحاد الأوروبي، ويعملوا على تصفية خلافاتهم الأوروبية الداخلية، لأننا نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي وليس مع دولة داخل الاتحاد الأوروبي لا تستفيد من اتفاقية الصيد البحري التي يمولها الاتحاد، وهي خلافات داخلية، مثلما أن هناك أطرافا أخرى تحس أن مصالحها تتضرر من هذه الاتفاقية وتلجأ إلى إثارة قضايا البيئة، وبمعنى أن التصويت ضد البروتوكول لم يكن بسب الصحراء وحدها))
رمى المغرب بعد ذلك الكرة في الملعب الأوروبي، وطالب المفوضية الأوروبية بفتح قنوات التواصل مع البرلمان الأوروبي حتى تحظى المفاوضات التي تفتحها معه بالقبول السهل.
، قامت إسبانيا بحملة داخل الاتحاد الأوروبي من أجل إقناع البرلمانيين الأوروبيين بضرورة الدخول مع المغرب في مفاوضات من أجل تجديد اتفاقية الصيد البحري، وبعد جلسات ماراثونية، اقتنع البرلمان الأوروبي بالمطالب الإسبانية، وبدوره دخل مع المغرب في جولات من المفاوضات دامت ست جولات انتهت بتوقيع وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي عزيز أخنوش وماريا داما نكي، المفوضة الأوروبية في الصيد البحري، يوم 24 يوليوز 2013 اتفاقية جديدة للصيد البحري، وجاء ذلك بعد الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني إلى المغرب مرفوقا بعدد مهم من الوزراء الإسبان، للدفع بالتعاون الاقتصادي بين البلدين، وكانت تلك هدية من المغرب إلى إسبانيا وإشارة ودية تجاه العاهل الإسباني
واعتبر المغرب نجاحه في فرض شروطه في الاتفاقية بمثابة النصر الكبير على مناورات الجزائر ولبوليساريو من أجل استثناء المياه المقابلة للصحراء المغربية من الاتفاقية والتي فشلت فشلا ذريعا
تعمد المغرب التأخر في التوقيع على الاتفاقية لتقديمها كهدية للعاهل الإسباني الجديد فيليبي السادس عشية زيارته للمغرب ففي يوم زيارة هذا الأخير للمغرب يوم 14 يوليوز 2014، وقع الملك محمد السادس على اتفاقية الصيد البحري لتخرج إلى حيز التنفيذ، ويعلن عن كونها هدية للعاهل الإسباني بمناسبة أول زيارة يقوم بها للمغرب كأول بلد من خارج المنظومة الأوروبية، ولم تستطع السفن الإسبانية العودة إلى الصيد إلا يوم 15 شتنبر 2014، بعدما ثار الكثير من اللغط
ان استعراض ظروف تجديد المغرب لاتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي، والتي كانت إسبانيا غالبا الخاسر الأول اقتصاديا فيها، نظرا لأن العديد من المقاطعات الإسبانية مرتبطة بالصيد البحري بصفة عامة والصيد في المياه الإقليمية المغربية بصفة خاصة، يسجل دائما ان تجديد الاتفاقية تارة ما يكون سببا في أزمات كبرى بين المغرب وإسبانيا، وأخرى عاملا في التقارب بين البلدين.
لا شك أن أي حكومة ستقود الجارة الشمالية في السنوات الأربع القادمة، ستركز جهودها من أجل دفع الاتحاد الأوروبي إلى تجديد الاتفاقية مع المغرب، و أن حرص المملكة المغربية وضع قضية الصحراء كأولوية قصوى في استئناف هده المفاوضات.
– فهل سيدخل ملف الصيد البحري المغرب في أزمة جديدة مع إسبانيا، أم سيكون سببا في دعم الاتحاد الأوروبي لمخطط الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب؟
-هل نجحت ديبلوماسية المغرب في فرض رؤيتها في ملف الصيد البحري كقوة إقليمية صاعدة ؟