دور مدريد في تصحيح الوضع في امريكا اللا ثينية لصالح الرباط ؟

ذ بوناصر المصطفى
ما ان بدأت الديبلوماسية المغربية بالاستمتاع بنشوة ما حققته من نجاحات في قضية الصحراء بأفريقيا واطلقت تحضيرات لخلق اجماع لطرد هدا الكيان الوهمي من الاتحاد الافريقي، حتى ظهر لهده الجبهة الانفصالية وصنيعتها الجزائر بصيص امل ينتعش في تكتل قاري بأمريكا اللاتينية.
منذ سنة 2020 بدا صعود اليسار بقوة، وقرر الاعتراف بالجبهة الانفصالية بعد ان أعاد علاقاته معها، ليستأنف فصل جديد من الصراع حول النفوذ في المنطقة.
وفي ظل هدا المعطى لم يبق امام المغرب الا استثمار جيد لعلاقاته بمدريد نظرا لوزنها في التأثير على توجه هذه القارة في قضايا هم السياسة الدولية، فتفعل صنيعها لتحول موقف هده الدول الأمريكو-لاتينية من قضية الصحراء المغربية؟
لقد ساهم تركيز الديبلوماسية على افريقيا بسحب دول كثيرة اعترافها بالكيان الوهمي وفتح قنصليات بمدينتي الداخلة والعيون في ترك فراغ في القارة الجنوبية لأمريكا كبؤرة من العالم ينشط فيها اليسار، ولا تعرف الاستقرار، اذ حظي الكيان الوهمي خلال السنتين الأخيرتين بعودة لبعث انشطته بدعم صنيعته الجزائر حيث عادت الجبهة لتحظى من جديد باعتراف عدد من الدول، مثل المكسيك وبنما وفنزويلا وكوبا، والدول التي انضمت مؤخرا مثل الهندوراس وبوليفيا

تحركات المغرب في هده القارة انحصرت في الوقوف إلى جانب أحزاب يمينية مثل الحركة التي ينتمي إليها خوان غوايدو، الذي أعلن نفسه رئيسا لفنزويلا، قبل أن يفشل في مساعيه للوصول إلى السلطة، ثم الوقوف إلى جانب اليمين في بوليفيا
لكن عودة اليسار الى السلطة والتقارب بين القيادات اليسارية في أمريكا اللاتينية بهده الدول تحديا اخر امام الديبلوماسية المغربية لمواجهة هذه التطورات الجديدة
وصول اليمين الى بوليفيا فأعلنت رسميا سحب اعترافها بالجبهة كدولة خلال يناير 2020، لكن بمجرد عودة اليسار إلى الرئاسة، أعاد الاعتراف يوم 16 شتنبر 2021، نفس السيناريو نفسه حصل مع البيرو التي اعترفت خلال شهر شتنبر 2021 بالجبهة وذلك بعد وصول اليسار إلى السلطة ممثلا في بيدرو كاستيو، وبدورها الهندوراس أعادت الاعتراف بالكيان الوهمي شهر فبراير 2022 مع وصول الرئيسة اليسارية إيريس كسيومارا كاسترو إلى رئاسة البلاد
بصعود اليسار الى الحكم اطلق العنان لمسلسل إعادة الاعتراف بعدة دول في أمريكا اللاتينية بالجمهورية الوهمية مما طرح امام الديبلوماسية المغربية مواكبة هذه التطورات الجديدة، في ظل تقارب بين قيادات الأحزاب السياسية بهذه المنطقة وأعضاء الجبهة.
كان لموقف مدريد الإيجابي من قضية الصحراء دور حاسم في التغيير الجدري في التطورات الدولية من الملف.
اذ ان الموقف السياسي الإسباني أثر بشكل كبير على دول أمريكا الجنوبية، فعدة دول قلدت الموقف السياسي لمدريد، فشهدت عدة دول من أمريكا اللاتينية تفاعلا إيجابيا من قضية الصحراء اذ عمدت وكالة المغرب العربي للأنباء لتغطية لتفاعلات دول هذه القارة مع هذا الحدث الجديد
جاء في تعليقها يوم 22 مارس 2022 في هذا الصدد، ما يلي:
“من الأرجنتين إلى البيرو، ومن الشيلي إلى البرازيل مرورا بكولومبيا وباراغواي، توالت ردود فعل العديد من البرلمانيين والساسة والمحللين والإعلاميين، والتي توحدت مضامينها في التأكيد على أن الموقف غير المسبوق لإسبانيا إزاء قضية الصحراء المغربية من شأنه المساهمة في إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، وعلى مدى الـ 72 ساعة الماضية، تعددت الإشادات وردود الفعل الإيجابية من أمريكا الجنوبية بشأن موقف إسبانيا الجديد حول قضية الصحراء المغربية، الذي يندرج في إطار الروابط التاريخية التي تجمع البلدين، والذي يمثل اعترافا تاريخيا من جانب مدريد لم يسبق له مثيل”
ردود الأفعال من بعض الشخصيات في المنطقة، كانت تساند الموقف الاسباني في خطواته في الشيلي، وجهت رئيسة السابقة لمجلس الشيوخ، ياسنا بروفوست، رسالة إلى الملك محمد السادس تساند خطوات مدريد الرامية لإحلال السلام والتفاهم بالمنطقة
في بيرو، رحب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغريس البيروفي، إرنستو بوستامانتي بالموقف لإيجاد حل سلمي ومقبول لهذا النزاع الذي استمر قرابة نصف قرن، وقال: “لقد تم إنصاف المغرب”، معربا عن “ارتياحه الكبير” لـ”تخلي إسبانيا عن موقف الحياد غير الملائم في النزاع حول الصحراء، والاعتراف بمقترح الحكم الذاتي
في البرازيل أبرز السيناتور البرازيلي، كارلوس ألبرتو دياس فيانا، أن “موقف إسبانيا يعد خطوة مهمة في اتجاه التسوية السلمية للنزاع حول الصحراء المغربية”
وفي كولومبيا، اعتبر عميد جامعة “يونيكوك”، هيرنان أولانو، أن ” الموقف غير المسبوق لإسبانيا بشأن قضية الصحراء المغربية، من شأنه أن يعطي دفعة جديدة لعلاقات التعاون وحسن الجوار بين الرباط ومدريد
تبعا لهده الردود ، أشاد عدد من الدبلوماسيين المغاربة السابقين في أمريكا اللاتينية، بالموقف الإسباني الجديد وتاثيره على هذه الدول، ومنهم الاتحادي عبد القادر الشاوي، السفير السابق للمغرب في الشيلي، الذي قال: ” إن القرار الإسباني بمساندة الحكم الذاتي، سينعكس بصورة إيجابية على أمريكا اللاتينية، وستكون له تأثيرات واسعة، خصوصا وأن أغلب المواقف تكون مبنية على قرارات مدريد” ، وأضاف: “إن تأثيرات القرار الإسباني تحتاج إلى الوقت من أجل البروز، خصوصا في البلدان التي تشهد تحولات سياسية في أمريكا الجنوبية، فمسألة تولي اليسار أو اليمين للحكم، لها أدوار كبيرة”، وسجل الدبلوماسي المغربي السابق، أن ” التأثيرات ستكون قوية في دولة المكسيك التي تعترف بالبوليساريو، والشيلي التي تستعد للاعتراف بالكيان الوهمي، فيما ستكون التأثيرات محدودة في كوبا وفنزويلا
وسجل الديبلوماسي الشاوي، أن بعض البلدان في أمريكا اللاتينية لا تزال ترى المغرب بنظرة تقليدية وتعتبره نظاما ملكيا، فيما تنظر إلى الجزائر عكس ذلك.
اما البشير الدخيل، رئيس معهد منتدى البدائل الدولي للدراسات الصحراوية (الأندلس)، فيرى أن موقف مدريد بخصوص قضية الصحراء، سيكون له تأثير على أمريكا اللاتينية التي لها روابط ثقافية وتاريخية مع إسبانيا، بالإضافة إلى بعض البلدان الإفريقية.
هذا التفاؤل لم يدم طويلا فأشهر قليلة على اعتراف إسبانيا بالحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وصل أول رئيس يساري إلى الحكم في تاريخ كولومبيا غوستافو بيترو أوريغو، في شهر غشت 2022، وكانت أولى قراراته مباشرة بعد وصوله إلى الرئاسة، استئناف العلاقات المجمدة مع جبهة البوليساريو والاعتراف بها، وذلك بعدما ظلت كولومبيا طيلة عقود تدافع عن مغربية الصحراء في المحافل الدولية،
وعلى نفس المنوال أعلن الرئيس بيدرو كاستيلو، عن دعمه بالجمهورية الوهمية، فأعاد الاعتراف بعدما كان قد سحبه وزير خارجية هذا البلد، ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي
سارت البيرو، حيث أعلن الرئيس بيدرو كاستيلو، عن دعم جبهة البوليساريو والاعتراف بالجمهورية الوهمية، أعاد الاعتراف بعدما كان قد سحبه وزير خارجية هذا البلد، ميغيل أنخيل رودريغيز ماكاي.
اعتبرت منابر إعلامية وفعاليات سياسية هده التحولات إخفاقا للديبلوماسية المغربية وتقصيرا في جهودها لدلك طالبت أوساط بتعيين شخصيات مغربية ذات توجه يساري في مناصب المسؤولية بهده البلدان من أجل تعزيز التقارب السياسي مع الأحزاب الكبرى، لكون أغلب الأحزاب اليسارية بأمريكا اللاتينية تجهل تاريخ النزاع، وبالتالي، فهي لا تزال تنظر إلى جبهة البوليساريو بنفس رؤية سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، ما يستدعي ضرورة تكثيف الزيارات إلى بلدان القارة لتعزيز الشراكات الاقتصادية وتوضيح الرؤى.
وبررت تلك الفعاليات طرحها، بكون أغلب الأحزاب اليسارية بأمريكا اللاتينية تجهل تاريخ النزاع، وبالتالي، فهي لا تزال تنظر إلى جبهة البوليساريو بنفس رؤية سبعينات وثمانينيات القرن الماضي، ما يستدعي ضرورة تكثيف الزيارات إلى بلدان القارة لتعزيز الشراكات الاقتصادية.
في الوقت الدي بقيت الديبلوماسية مكتوفة الايدي امام هدا الوضع ولم تقم بأي خطوات ملموسة لتغيير الجهاز الدبلوماسي في أمريكا اللاتينية، وفشلت في اختراق الكتلة اليسارية في هذه المنطقة، قامت جبهة البوليساريو وصنيعتها الجزائر بتحركات داخل هذه القارة، كان آخر مظاهره زيارة إبراهيم غالي رئيس الجبهة الانفصالية، إلى فنزويلا، وقام بعقد اتفاقيات غير واقعية ولا يمكن تطبيقها على الميدان، استنادا إلى عدم امتلاك جبهة البوليساريو الانفصالية لمقومات الدولة السيادية، ومنها توقيع اتفاقية تهم الصيد البحري.
https://clipchamp.com/watch/ZQmUChyOwCa
لم تقف مناورات الجزائر والبوليساريو عند هدا الحد بل كان التحركات حاصرة بقوة خصوصا في الإعداد للقمة الإيبيرية-الأمريكية، ، وذلك عندما قدم الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، طلبا من أجل تمكين الجبهة الانفصالية من صفة مراقب في القمة الثامنة والعشرين لرؤساء الدول والحكومات الإيبيرية الأمريكية، بحضور الملك الإسباني فيليبي السادس، ورئيس حكومته بيدرو سانشيز،
ليأتي الرد لتصحيح الوضع من طرف وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، للحسم في هذا الطلب، معترضا على الحصول على صفة مراقب في القمة الإيبيرية الأمريكية يفترض بالضرورة أن تكون دولة معترفا بها.
فهل بدأ الدور على إسبانيا لتصحيح الوضع داخل أمريكا اللاتينية؟
لا شك ان موقف اسبانيا في هدا الشأن الجاد يؤكد من جديد عن التزامها المسؤول لإنجاح علاقاتها الاستراتيجية الجديدة مع الرباط بحضور عاهل البلاد، وأن تصريح حكومة بيدرو سانشيز بخصوص قرار دولة اسبانيا ليس موقف حكومة ستخلفها أخرى، كما ان هدا الموقف الإسباني عكس خلال هذه القمة دحض مزاعم الجزائر بسعي إسبانيا للتقرب.
شكل هذا التحول فرصة لمدريد لتلعب الدور الحاسم في الدفاع عن مصالح المغرب داخل أمريكا اللاتينية، فتوقعات الخبراء ترى أن تأثير إسبانيا على دول القارة سيحتاج لوقت ليس بالقليل.
فهل الحل في شراكة إسبانية مغربية في المجال الاقتصادي مع دول أمريكا اللاتينية؟
والى أي حد يمكن اعتبار الديبلوماسية الموازية والمكثفة من أجل الاختراق؟
ام ان التغلغل داخل هذه القارة اللاتينية يحتاج المغرب إلى إسبانيا؟