جدلية المسؤولية وأزمة القيم ؟

كل امة أو جماعة بشرية لها منظومة قيمية تعتبر بوصلتها، تحتاجها لصياغة أهدافها واالرتكاز
عليها كثروة في نهضتها المنشودة ،وتختلف هذه المنظومة من امة إلى أخرى لكنها تبقى قاسما
مشتركا لتحديد الخصوصية والهويةلكل جماعة .
إنما يورقني ويؤرق من يحمل هذا الهم مثلي في هذا العالم المرتج ، هو التحوالت التي تعرفها
منظومة القيم هذه ،والتي أضحت في كل يوم في تردى و نزيف مهول،حتى عدنا نخشى انتشار
العدوى، الن تضاءل قيمنا له معنى واحد وهو أننا فقدنا هويتنا وبالتالي سوف نكرهها ثم نصبح
معاول تخرب دون هوادة ، تحصد األخضر واليابس ، لذا نحاول جاهدين في كل مرة أن نضع
بصمة تكون فيها هويتنا هي عنواننا المميز في هذه الدائرة الكونية وحصاد تربيتنا ورقي
أخالقنا وظل لذلك األثر الجميل الذي يطبع نفوسنا .
كل الجامعات قد أبلت البالء الجميل في وظيفتها العلمية، لكن التخصص الوحيد الذي أغفلته هو
مادة القيم والتي قد ينجح فيه الكناس لكن قد يرسب الدكتور.
لكن ما الذي جعل المشترك اإلنساني يدخل في دائرة األزمة ؟ ويدفع اإلنسان للعيش في صراع
وتهافت نحو خلق ثروة زائفة ؟
إن احتكار فئة قليلة للثروة صعد الخناق وكرس الصراع في المجتمعات الحالية ، فكل فئة على
حدة وضعت لنفسها سياسة ومعايير بديلة تجيب عن حاجات فئوية تغيير بموجبها تلك القيم
اإلنسانية المشتركة األصيلة وتعويضها باختيارات وهمية، مما نتج عنه نظم جديدة وعالقة
اجتماعية مبنية على التنافر.
فإذا كانت الفئة القليلة هي التي تحتكر الثروة و السلطة ،فقد عوضت القيم القديمة بأخرى بديلة
اتخذت من العلم أو التكنولوجيا نبراسا دعمته بكل ما ليديها ووثقت في قدراته الخالقة حتى
تتمكن من السيطرة ليس على العالم بل على الطبيعة وتفك جميع ألغازها والطمع في التحكم في
مستقبل البشرية وآفاقها خصوصا بعد التطور الذي عرفته الهندسة الوراثية .
لقد كانت لجميع االنفالتات األخالقية األثر الكبير الذي أضحى يهدد كرامة اإلنسان ومسؤوليته
في الحفاظ على منظومته القيمية ، مما انعكس على تفكك األنساق الفكرية وتشرذم النظم القيمية
الكبرى، فزاغ التفكير عن مراميه األساسية ، وتاه البعض في الهرولة إلعطاء األولوية ألسئلة
أخرى .
إال أن في المقابل اختلفت فئات أخرى في اختياراتها طبقا لمكانتها االجتماعية وثقافتها
ومرجعيتها الفكرية ، إذ اختارت بعض الجماعات أن تكون الحارس الخاص للقيم القديمة تتبنى
الوصاية عليها، فاختارت العودة إلى أصول الدين كهوية مفترضة للمشترك القديم وهذه هي
إحدى القضايا التي أصبحت تستدعي الدراسة والبحث في مشروعية الدفاع عن القيم القديمة
عوض الترويج لقيم جديدة تجاوزت حدود المشترك.
فاألخالق هي تلك النبتة العالقة في السماء لكنها تعطر األرض بأريجها
ذ.بوناصر المصطفى