اي موقع للمغرب في ظل ازمة التضخم العالمية ؟

ذ . بوناصر المصطفى
عرف الاقتصاد العالمي مؤخرا نسب قياسية في التضخم ، اذ لم تكن توقعات الخبراء و الأبناك المركزية حول العالم بالصائبة ،على اعتقاد ان الازمة ظرفية ، الا ان استمرار هده الموجة في الامتداد على المستوى الطويل وعلى إثرها بدأت تطرح اشكالية انهيار أبناك كبرى في كل من أمريكا وسويسرا، ليزداد وضع الاقتصادي العالمي نحو الغموض واللايقين رغم محاولات البنك المركزي طمأنة الراي العام بان الازمة محدودو في الزمن.
تعود أسباب هدا التضخم الى ضخ الولايات المتحدة الأمريكية سيولة مالية بلغت حوالي 3.3 ترليون دولار في البورصة وسوق العملات المشفرة. في حين قرر البنك الفيدرالي الأمريكي ان يبقى سعر الفائدة ثابتا ،ظنا منه ان التضخم مرحلي لكن انعكاسات هدا القرار عمت مختلف دول العالم بالتدريج.
جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد الامر سوءا بعد ما رفعت معظم الأبناك المركزية عبر العالم من سعر الفائدة و ظل الاعتقاد السائد هو أن التضخم لن يتعدى سنة على أكبر تقدير، حيث اتفقت كل التوقعات على انه بنهاية سنة 2023، سيستعيد الاقتصاد العالمي عافيته و تعود الأسعار إلى مستوياتها الطبيعية.

لم يكن المغرب خارج عن هده الرؤية في باقي دول العالم، اذ ينظر إلى أزمة التضخم أنها ظرفية ، إلا أن الإجراءات والتدابير المتخذة أثبتت قصورها فمادامت لم توقف المد في ارتفاع الأسعار، الأمر الذي دفع بنك المغرب ليقر بأن التضخم مستمر في المغرب فاتخذ خطوة جديدة للحد منه ،بالرفع من سعر الفائدة مرة أخرى ، لم تنجح هذه الإجراءات في فرملة الازمة لأن المشكلة عالمية؟
استمرت الأسعار في شكل تصاعدي غير مسبوق مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية همّت هذه المرة ارتفاع أسعار المواد البترولية، التي أثرت على ارتفاع أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، وصل فيها التضخم في نهاية السنة الماضية إلى 6.6 في المائة.
تدخل بنك المغرب للحد من افة التضخم وأقر مجلس البنك المركزي زيادتين متتاليتين 2022 في أعقاب آخر اجتماعين فصليين برسم السنة المالية 2022 بالزيادة في سعر الفائدة الرئيسي ليستقر في 2.5 في المائة عند شهر دجنبر 2022، بعد أن كان في مستوى 1.5 في المائة في يونيو.
لم يكف هذا الإجراء ليقلل من نسبة التضخم ويعيد الأسعار إلى طبيعتها كما كان منتظرا ، اذ، بدأت التوقعات الاقتصادية للتحكم في نسبة التضخم على المستوى الوطني لسنة 2023، بعد رفع سعر الفائدة إلى 2.5 في المائة من طرف بنك المغرب.
ظهر جليا التباين في توقعات مختلف المؤسسات الوطنية المعنية بالأمر، رغم دلك بقيت متفائلة بشأن التحكم في نسبة التضخم، فاذا حصرت وزارة المالية الانخفاض في نسبة التضخم إلى اثنين في المائة، وهو المستوى الطبيعي الذي ظل لمدة ثماني سنوات، فقد جاءت الأرقام التي توقعتها الحكومة متقاربة مع تلك التي قدمتها المندوبية السامية للتخطيط ضمن تقريرها الأخير، وخصوصا في الجانب المتعلق بالتحكم في نسبة التضخم، حيث أشارت المؤسسة المعنية إلى أن نسبة التضخم من المتوقع أن تعود إلى مستوياتها الطبيعية في سنة 2023، وتستقر عند نسبة 1.9 في المائة.
وإذا كانت المؤسستان قد اتفقتا على توقع انخفاض التضخم خلال هذه السنة (2023) بنسبة اثنين في المائة، أي العودة إلى النسبة الطبيعية قبل الحرب الروسية الأوكرانية، فهناك مؤسسة وطنية ثالثة بنك المغرب ذهبت خلاف ذلك، في توقع الانخفاض الى نسبة التضخم إلى 3.9 في المائة،
في ظل هدا التضارب في الأرقام، يأتي البنك الدولي ويدعم الرقم الذي قدمه بنك المغرب، ويعلن ضمن توقعاته، أن نسبة التضخم في المغرب ستنخفض إلى 3.9 في المائة.
لكن هل رفع سعر الفائدة من جديد! هو في الحقيقة حل أم مشكلة؟
رغم تدخل بنك المغرب والتفاؤل السائد وترقب انخفاض في نسبة التضخم، فقد شهدت بداية 2023 شهدت موجة غلاء كبيرة همت بالدرجة الأولى الخضر والفواكه واللحوم والدواجن، وباقي المواد الغذائية، حيث أنها أصرت على مخرجات مخطط زراعي (المخطط الأخضر)، والذي كان رئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش، يشرف عليه شخصيا حين كان يشغل مهمة وزير الفلاحة في الحكومات السابقة.
أصبحت معضلة استمرار ارتفاع الأسعار كابوسا يطارد الحكومة فكانت بعض الإجراءات المرتجلة في تسخير قوافل من مفتشي الأسعار في أسواق الجملة والتقسيط رغبة للحد من ارتفاع الأسعار، رافق هذه الحملات التي كانت تنفذها العمالات في مختلف مناطق المملكة، مواقف الاستهجان من الاعلام بمختلف مكوناته.
نتيجة لفشل هذا الإجراء، بدأ تفكير بنك المغرب اجراء رفع سعر الفائدة مرة أخرى قصد التحكم في نسبة التضخم، وبالفعل أعلن يوم الثلاثاء الماضي بقرار من البنك المركزي برفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 3 في المائة بعدما كان 2.5 في المائة منذ شهر دجنبر الماضي، وبرر البنك قراره بـتجنب حدوث دوامات تضخمية قائمة، ولتعزيز تثبيت توقعات التضخم بهدف تيسير عودته إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار
لم يلبث ان تراجع بنك المغرب عن توقعاته بشأن نسبة التضخم التي اقر سابقا أنها ستكون في حدود 3.9 في المائة، وأكد بأن التضخم سيظل في مستويات مرتفعة على المدى المتوسط، حيث سيصل إلى 5.5 في المائة خلال العام الجاري، نتيجة الارتفاع الحاد لأسعار بعض المنتجات الغذائية.
على أن ينخفض بالتدريج إلى 3.9 في المائة في سنة 2024، لكنه يبقى مرتفعا مقارنة بمتوسط السنوات العشر الماضية الذي بلغ 1.5 في المائة.
ذكر البنك، في بلاغ صحافي عقب اجتماع مجلسه يوم الثلاثاء، أن التضخم بلغ العام الماضي 6.6 في المائة، وهو أعلى نسبة مسجلة في المملكة منذ سنة 1992.
فهل معنى هذا أن الإجراء الذي تم اتخاذه سيؤدي إلى تراجع الأسعار؟
يبدو أنه رغم رفع سعر الفائدة في نهاية السنة الماضية، إلا أن الأسعار استمرت في وضع قياسي، كما أن ارتفاعها هذه المرة شمل المواد الغذائية التي ينتجها المغرب، والتي لا تحتاج لرفع سعر الفائدة، بل لإجراءات حكومية من أجل محاربة الاحتكار.
مما لا شك فيه أن رفع سعر الفائدة من جديد سيؤثر بشكل مباشر وبالدرجة الأولى، على بعض القطاعات، على رأسها قطاع البناء والعقار، الذي قد يعاني ركودا بفعل الرفع المرتقب للأبناك من نسبة الفائدة عند الاقتراض من أجل شراء السكن، وهو القطاع الذي يعاني أصلا من مشاكل كثيرة أولها ارتفاع أسعار مواد البناء على الصعيد الدولي.
بعد هدا الإجراءات والتدابير على المستوى الداخلي يبقى السؤال :
كيف الحل لخروج المغرب من هذا المأزق الذي يضرب الاقتصاد العالمي وليس المغربي وحده ؟
فهل السندات الأمريكية قد تشكل معضلة أخرى أمام المغرب؟
يقول بيتر شيف، كبير الاقتصاديين والاستراتيجي العالمي في الازمة الحالية:
” لا نستطيع إخراج التضخم من الاقتصاد بدون أزمة مالية كبيرة وفشل كثير من البنوك. الجميع سيخسر الأموال، وسيكون هناك ركود مشابه لركود عام 2008، وكل ذلك من أجل احتواء التضخم، وهو أمر لا يمكن تجنبه”
استمرت حالة من الهلع مسيطرة على تداولات الأسواق العالمية منذ مطلع الأسبوع الحالي رغم تطمينات البنوك المركزية خصوصا بعد إتمام صفقة استحواذ بنك “يو. بي. إس” على منافسه الأصغر “كريدي سويس”، وهبوط أسواق الأسهم الأمريكية والأوروبية، وكذلك الخليجية والمصرية،
فوسط موجة توقعات بأزمة أعمق من التي عاشها سنة 2008، نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية من جهة، وكذلك تداعيات جائحة “كورونا”، التي ما زالت تنخر الجسد الاقتصادي والاجتماعي للعالم من جهة ثانية.
فالأزمة الحالية كسرت أضلع القطاع البنكي، وخلقت حالة من اللايقين، إلا أن تأثيرها بطريقة مباشرة، على المغرب تبقى نسبيا محدودة، على اعتبار أن المملكة تظل بعيدة عن هذه التداعيات بحكم عدم خضوعها لنفس النمط النقدي والمالي، خاصة وأن النظام المصرفي والمالي متحكم فيه ولا يخضع لنفس القواعد.
بالرغم أن الأزمة الخانقة للأبناك العالمية الكبرى حاليا بعيدة للتاثير على المغرب، إلا أن من شأن ذلك أن تكون لها تداعيات على الاقتصاد الوطني على المدى القريب، حيث أنه لا يجب إغفال جانب مهم، كون المغرب يستثمر، إلى جانب العديد من الدول العربية، نسبة كبيرة من احتياطاته المالية في سندات الخزانة الأمريكية، أي الدين العام الحكومي للولايات المتحدة الأمريكية .
يحتل المغرب المرتبة السابعة عربيا في شراء سندات الدين العام الأمريكي باستثمارات تقارب قيمتها 3.7 ملايير دولار، فتمسك المغرب بهذه السندات كاحتياطات استراتيجية، بوصفها استثمارات آمنة على المدى الطويل يجعله في موقف غير امن من اتعكاسات هده الازمة.
لم تقتصر الازمة فقط على القطاع البنكي بل الاقتصاد الأمريكي بصفة عامة يعرف أزمة حادة منذ مدة ، اذ تواجه الولايات المتحدة الأمريكية أزمة متوقعة في احتمال عدم سداد ديونها.
ففي السادس من شهر فبراير 2023 حذر بريان موينيهان، المدير التنفيذي لثاني أكبر مصارف الولايات المتحدة الأمريكية، “بنك أوف أميركا”، من أن “احتمال تخلف الولايات المتحدة الأمريكية عن سداد ديونها، بات احتمالا لا يمكن تجاهله”،
وعلى هذا الأساس، اعتبر موينيهان، أن “بلدانا أخرى حول العالم يفترض أن تستعد لسيناريو تعليق سداد سندات الخزانة الأمريكية”، في إشارة مباشرة إلى مخاطر هذا الأمر على اقتصاداتها.
وأشارت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، بشكل واضح في حديثها عن هذه الازمة، حين أشارت بشكل مباشر إلى أن “الولايات المتحدة قد تتخلف عن الوفاء بالتزاماتها في أقرب وقت في شهر يونيو 2023، إذا لم تتم معالجة أزمة بلوغ الدين العام الأمريكي سقفه القانوني.”.
أما نتيجة هذا الحدث المحتمل، فلن تكون – حسب الوزيرة يلين – أقل من “أزمة مالية عالمية جديدة”، وفي الوقت الراهن، تحاول وزارة الخزانة تأخير هذا الاحتمال قدر المستطاع، عبر “إجراءات استثنائية” تسمح بمواصلة دفع الفواتير إلى حين معالجة الأزمة.
من الأكيد أن الأزمة الراهنة ألحقت حتى هذه اللحظة الكثير من الأضرار بسوق سندات الخزانة الأمريكية، وبالمستثمرين في هذه السندات، ومنهم الدول العربية، فهذه الأزمة أدت عمليا إلى اهتزاز الثقة بالدين السيادي الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى فقدان سندات الخزانة الأمريكية لـ 13 في المائة من قيمتها اليوم مقارنة مع بداية العام الماضي، وبذلك، خسر المغرب إلى جانب الدول العربية التي استثمرت في هذه السندات، جزءً من استثماراتها، نتيجة تراجع القيمة السوقية للسندات.
أما الصدمة الكبرى، فستحدث في حال توقف الولايات المتحدة عن سداد السندات، سواء خلال هذه السنة إذا لم يتم رفع سقف الدين القانوني، أو خلال السنوات المقبلة إذا جرى رفع هذا السقف وتكررت المشكلة مجددا، ففي هذه الحالة، من المتوقع أن تخسر سندات الخزانة الأمريكية الجزء الأكبر من قيمتها السوقية، بعد أن يتهافت المستثمرون على التخلص من هذه السندات ومحاولة بيعها، وفي حال تعليق سداد السندات، فإنه من المتوقع أن يجري تجميد دفع فوائدها أيضا، مما سيكبد المغرب إلى جانب الدول العربية التي تستثمر في هذه السندات، خسائر أكبر.
فهل سيفكر المغرب في استراتيجية لتعويض الخسائر المتوقعة؟
الى أي حد يعتبر الاستثمار في سندات بديلة حلا للخروج من الازمة؟