المغرب وحالة الإخفاق في وقف نزيف طاقاته البشرية ؟

ذ . بوناصر المصطفى
أمر جد مقلق أن يستمر المغرب في مضاعفة استثماراته في القطاعات الاجتماعية سواء في التعليم وقطاعات اخرى، في حين أن تلك المجهودات لا تستفيد منها إلا الدول الغربية ،أو قد تذهب أدراج الرياح في متاهات شتى ، فظاهرة هجرة الكفاءات ليست بالحالة الجديدة ، إذ تعد ظاهرة لا يصح التغاضي عنها أو الاكتفاء بإثارة نقاشات عابرة في محطات إعلامية منا سباتية، ما دامت تستنزف صفوة الطاقات البشرية ببلادنا ،ومادام المستفيد الأكبر هي دول الاستقبال ، كونها لم تصرف أيا من مدخراتها للاستفادة من هذه الغلة الجاهزة ؟
فرؤية كل هذه الحكومات المتعاقبة في ظل الدولة الحديثة ، تبقى معكوسة ومشلولة ،ما دامت لم تكن لها الجراءة لتنكب بجد لوفق هذا النزيف الذي لا يعكس أي رؤية جادة للتنمية.
كل الحكومات متفقة على الاعتراف بكل وقاحة متناهية بمحدودية تصوراتها اتجاه هذا الداء، إذ اكتفت بدور المتفرج ، فقد سبق للوزير السابق في التعليم سعيد امزازي أن اكتفى بتقديم أرقام لهذه الخسارة الصامتة ،والتي دوت أصداءها أرجاء الوطن وخارجه، إذ اكتفى السيد الوزير بالتصريح بفقدان 600 مهندس كل عام ،أي أن صفوة الذخيرة لأربعة مدارس عليا يوجه ريعها إلى الخارج، في حين أن 6150 طبيب أو طبيبة اصبحوا مدمجون بفرنسا يمارسون المهنة بشكل رسمي ،هذا يدل على ان التنمية تزرع في المغرب وتستهلك في بلدان الاستقبال.
فهل يتوقف احتضان هذه الكفاءات على مناخ اكثر جذابا في بلدان الاستقبال ؟
أم أن قيمة الرأسمال البشري هو الركن المركزي في سياسة هذه الدول ؟
أم الدافع الأساسي للطلب على هذه الكفاءات تكمن أساسا في شيخوخة هرمها السكاني ،وحاجاتها لطاقات بشرية حيوية وشابة .
والحالة هذه في المغرب كدولة مصدرة لم تكن مواقف وزير التشغيل والإدماج المهني محمد يتيم تخرج عن حالة المسؤول المتفرج ، معتبرا ظاهرة هجرة الأدمغة كظاهرة كونية ، قد تتفاوت من دولة إلى اخرى ،وان الحل في التنمية الشاملة.
إن ما يزيد في قلقنا كمتتبعين اتجاه هذه الظاهرة هي أن هذه الأرقام التزمت بمنحى تصاعدي ،كون جميع الاجراءات الحكومية لم تكن لتنهج نحو إغراء الشباب للبقاء في المغرب ،في حين أن الدول الأخري خططت لسياسة ممنهجة تستقطب هذه الكفاءات كدول استقبال ،فسارعت لقرع طبول الدعاية للهجرة .
في الولايات المتحدة : البطاقة الخضراء
في ألمانيا : البطاقة الزرقاء
في كندا :اعفاءات في رسوم الدراسة
و في فرنسا : سهولة الإدماج نظرا لتشابه في الأنظمة التكوينية والتعليمية
لقد أكدت بعض الدراسات والتي راهنت على بصيص من الأمل في عودة هذه الكفاءات إلى بلدانها الأصلية أي المغرب في نسبة قدرتها في 74 في المئة ، أي بعد تطوير مسيرتها المهنية بينما حددت نسبة 44 في المئة في هذه الكفاءات حبذت الاستقرار في بلد المهجر : 37 المئة كندا 25، في المئة فرنسا 12، في المئة في ألمانيا ودول اخرى
فإذا كانت نسبة العطالة في حاملي الشهادات قد تجاوزت 23في المئة وبنسبة قياسية تتراوح بين 9.5 إلى 11 في المئة وان هذه الظاهرة اتسعت دائرتها لتشمل طرق غير شرعية كرسته سياسة إعلامية وبالغت في رسم الضفة الأخري بلد الأحلام واحيانا اخرى برسم صورة سوداوية للبلد ربورتاجات حية عن قوارب الموت أساءت لسمعة البلد فأعطت الشرعية لهذه المغامرة البئيسة.
لقد زاد من منسوب اليأس تلك المخططات الحكومية التي تثقن الاستثمار في الفقر الهشاشة وفقدان الثقة وقتل متعمد للروح الوطنية.
لذا كان الإخفاق حليف الدولة المغربية والدول العربية عامة في كبح جماح هجرة الأدمغة (brain drain) في غياب رؤية راشدة حيث اقتصرت تبريراتها في تفسير معالجة الظاهرة عند قراءة بليدة وسطحية باستجداء أرقام عائدات تحويلات مغاربة الخارج ،متجاهلة كل مخلفات تأجيل قرار جرئ للحد من الحالة :
-الخسارة والتكلفة المرتفعة للتأطير والتأهيل وفقدان نسبة كبيرة من القوى المنتجة وسقوطها في دوامة التبعية وفقدان هذه الاطر لهويتاهم وارتباطهم بالأصل…
- تعطيل التنمية و عرقلة التطور الفكري والعلمي وتوسيع الفجوة بين الضفتين وتكلفتها التاريخية…
لقد وصلت أعداد المغاربة المقيمين بالخارج حسب تقارير الوزارة الوصية ما يناهز 4.5 مليون بل اصبح من الصعب إقناعهم –هن بالعودة بعد الاندماج الكامل وتحقيق نجاحات مبهرة في السياسة : رشيدة داتي كمسؤولة في البرلمان الأوربي وحمزة توزال كعمدة للعاصمة البريطانية لندن، في الفن والتنشيط جمال الدبوز، في العلوم وتقنيات الفضاء سلوى رشدان واللائحة طويلة….
إن سياسة التفريط في هذا الكنز هو تعطيل التنمية بتكلفة ثقيلة فما أحوجنا إلى سن بيئة سليمة تعزز الإحساس بالهوية ،وتوفر فرص البحث العلمي وتشجع على الابتكار والتنافسية الحقيقية.
قطرة من الحكمة خير من بحر من الثروة ؟
والنجاح سلالم لا تستطيع ان ترتقيها ويدك في جيبك ؟
ذ . بوناصر المصطفى
2 Comments
اعطاك الله الصحة مقال في الصميم
شكرا على مرورك الزميل السعيد مازغ