الفلاح الصغير بين مطرقة السياسات الحكومية وسندان التغيرات المناخية؟

ذ . بوناصر المصطفى :
تضاءلت كمية الامطار زادت من حدتها التقلبات المناخية في مستوى آمال المزارعين سواء في المغرب او غيره للعام الثاني على التوالي، ما أدى إلى تراجع حاد في إنتاج الحبوب، وتزايد المخاوف كذلك من تقلص محاصيل بعض الخضر والفواكه انعكاساته على تربية المواشي.
لم تدفع هده الأضرار الناجمة عن استفحال ظاهرة الجفاف، العديد من المؤسسات المحلية فقط بل والدولية إلى مراجعة معدل النمو المتوقع في المملكة، فقد خفضه صندوق النقد الدولي إلى ما بين 2.4 و2.5 في المائة في العام الحالي، في حين راهنت الحكومة عبر الموازنة العامة على نمو بنسبة 4 في المائة.
للحد من تداعيات اثار الجفاف أعلنت أخيراً الحكومة عن برنامج الحد من تأثير نقص التساقطات المطرية، الذي أثر على محصول الحبوب، والذي ينذر بتراجع محاصيل بعض الخضر والفواكه ونشاط تربية المواشي والدواجن فاتجهت الحكومة لمراعاة ظروف المزارعين المغاربة نتيجة انعكاسات الجفاف على نشاطهم في العام الحالي وذلك بالتوجه نحو تخصيص 100 مليون دولار لتعزيز القدرة المالية واقناع بنك القرض الفلاحي المملوك للدولة من أجل دعم الفلاحين وإعادة جدولة ديونهم
الا انه وفق استطلاعاتنا للمزارعين الصغار فإن الجفاف أثر بشكل ملموس على أداء القطاع الزراعي في هده السنوات الحالية، وضعية ساهمت فيها أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا التي أدت إلى ارتفاع أسعار بعض المدخلات، مثل الطاقة والحبوب الا ان تماطل الحكومات في سياسات الإصلاح الزراعي عطل أي مبادرة او سياسة نتيجة تراكم الاختلالات وتعقيدها مما سيزيد من استقالة الفلاح وهجره لأرضة نحو المدينة التي أصبحت تعرض أبناءهم لإغراءات الحداثة المزيفة بما يوحي بتمدن الا رياف وانقراض كلي للفلاحين الصغار وتحول الفلاحة نحو الفلاحة التسويقية
ان أضرار معاناة الفلاحين الصغار بالمغرب سيحدث تحولات كبيرة على الأمن الغذائي والاجتماعي وفي هدا الصدد
صرح موسى المالكي، الباحث في الجغرافيا السياسية والقضايا الجيو استراتيجية ،الأستاذ موسى المالكي إن استقرار الأرياف دعامة قوية وأساسية للأمن الاجتماعي الذي تتمتع به البلاد ككل بمدنها وقراها
وأبرز المالكي، أن الاختفاء التدريجي للفلاحين الصغار من القرى من شأنه أن يحدث فجوة في الأمن الغذائي ويعزز بروز نوع جديد من الاحتكار لهذا القطاع الذي له خصوصيته الاجتماعية وأبعاده الاستراتيجية.
وهذا نص المقال:
اذ يسجل المتتبع لواقع الأرياف المغربية خلال السنوات الأخيرة، تناميا لمخاطر الاختفاء التدريجي للفلاحين الصغار من المشهد (كسابة ومزارعين) وتزايدا لاحتمالات تسجيل “نزوح كتلي” من النشاط الفلاحي (نزوح قطاعي) لهذه الفئة نحو بدائل هشة
وقد يؤدي هذا السيناريو في حال عدم استباقه بتدخلات حاسمة إلى إفراغ العديد من القرى والبوادي (نزوح مجالي) على المديين المتوسط والبعيد، وتعقيد مشاكل المدن (تدفقات المهاجرين، السكن الصفيحي، الضغط على الخدمات، معدلات البطالة، الهشاشة الاجتماعية وغيرها)
وقد أسهم كل من توالي سنوات الجفاف وتدهور جودة المراعي والغابات وغلاء الأعلاف بمعية مجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية والمضاربات العقارية (التوسع العمراني على حساب الأراضي الفلاحي) في تفاقم الوضع، دون إغفال سلبيات بعض اختيارات السياسة الفلاحية
ونسجل، خلال الفترة الأخيرة، مؤشرات مقلقة تهم ارتفاع الأسعار؛ فقد شهدت الأسواق المغربية مستويات استثنائية وغير مسبوقة لأسعار الخضروات والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء، على الرغم من أن المغرب بلد فلاحي ومصدر للعديد من المنتجات نحو أوروبا وإفريقيا
ان توفر الإرادة السياسية العليا التي عبر عنها الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة حرصا منه على السيادة الغذائية للبلاد. ويستدعي اوالا وقبل أي شيء تصحيح المسار وتدخل مستعجل يتسم بالشمولية والاستدامة ويصحح الاختلالات التي أظهرتها السياسة الفلاحية خلال العقود الأخيرة، خاصة ما يتعلق بتركيزها على الزراعات التسويقية والتصديرية المستنزفة للماء، على حساب المناطق البورية والزراعات المعيشية والفلاحين الصغار التي لم تنل القدر الكافي من الاستثمارات
إن الفلاحة في المغرب كمقوم من مقومات الدولة تمثل أكثر من مجرد قطاع اقتصادي. لذلك، فهي لا تحتمل حسابات الربح والخسارة؛ مثل غيرها من القطاعات (السياحة أو العقار على سبيل المثال). ويمثل الفلاحون الصغار رمزا من رموز التمسك والتشبث بالأرض والقيم (البلاد)، وذاكرة جماعية غنية بالدرايات المحلية والمهارات الزراعية المتوارثة المهددة بالاندثار
اقتصاد الناس
المغرب: مطالب لتسهيل الاستثمار في المناطق الفقيرة
وخصص للبرنامج الرامي إلى معالجة تأثير نقص التساقطات المطرية والظرفية العالمية على النشاط الفلاحي، سقف مالي يصل إلي مليار دولار، من ضمنه 100 مليون دولار لدعم مصرف القرض الفلاحي
غير أن مزارعين يعولون على الخطوات التي قد يتخذها المصرف من أجل معالجة مديونيتهم المتعثرة والمستحقة، حيث يراهن بعضهم على إعادة جدولة ديونهم، ويتطلع آخرون إلى تعليق الملاحقات القضائية ضدهم في ظل عدم وفائهم بما في ذمتهم من ديون، وذلك في سياق متسم بتضرر العديد من السلاسل الإنتاجية من تداعيات الجفاف في العام الحالي
ويعتبر رئيس الجمعية المغربية للتنمية الزراعية لجهة الدار البيضاء ـ سطات، الفاطمي بوركيزية، أنه يفترض في العام الحالي، أن تتخذ مبادرة من أجل إلغاء مديونية المزارعين الصغار الذين تضرروا أكثر من الجفاف
ويوضح في تصريح لـ”العربي الجديد: أنه يمكن اللجوء إلى إلغاء مديونية المزارعين الصغار التي تكون في حدود 20 ألف دولار مثلاً، معتبراً أنّ إعادة الجدولة لن تكون مجدية، على اعتبار أنّ توالي سنوات الجفاف بسبب التغيرات المناخية ستفضي إلى تراكم الديون وصعوبة سدادها بالنسبة لأولئك المزارعين
وكان رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين ورئيس الفيدرالية المهنية لمنتجي الدواجن، يوسف علوي، طالب، قبل إجازة عيد الأضحى، بمواصلة معالجة مصرف القرض الفلاحي مديونية المزارعين، على اعتبار أن ذلك المصرف يعد الممول الرئيسي للقطاع الزراعي
واعتبر أنه في ظل الظرفية الصعبة التي يعيشها المزارعون والشركات الفلاحية، ينتظر من المصرف اللجوء إلى تجميد المتابعات القضائية التي تطاول المزارعين المعسرين
من جانبه، طالب مستشار حزب الحركة الشعبية، عبد الله مكاوي، عند حلول وزير الفلاحة، محمد صديقي بمجلس المستشارين، بالعمل على إعادة هيكلة ديون المزارعين، بخاصة الصغار منهم
فهل من جدولة لهده الإجراءات ام يبقى صيحات دون دي جدوى في اذن تجار الازمات؟