ارتبط القناع في رصيدنا المعرفي عادة بلعبة الاكتشاف بعد اختفاء وراء قناع مصنوع متفق بشأنه ،لكن المبدع عامة والمسرحي على وجه التحديد ،حاول أن يخرج هذا القناع من دائرة الترفيه والهزل المرغوب فيه إلى دائرة المعالجة بالفن والتصويب بالسؤال ليعطيه أبعادا رمزية ، لا تنحصر في الوصف لتلك لظواهر المجتمعية بل تحاول كشف حقيقتها وإزالة القناع عنها حتى تفضح أسرارها وأحوالها المضطربة ،فيكون هذا المبدع قد أعطى لرسالته معنى ،وأعطي للمتفرج أو المتلقي أملا في الحياة وان تلك الأقنعة لها نهاية كما لها بداية .
إن اقتناعنا بهذه الحقيقة وبالرغبة بالتعايش مع عاهات وإمراض مجتمعية والتي تعرض لها المفكر غوستاف لوبون للاعتراف بتلك السلوكيات الغير محمودة للأفراد وسط المجتمعات هو أهم ما يعطي للشخص الرغبة في فهمه لذاته ولمحيطه وان الانغماس في دائرة الاكتئاب والإحساس بعبثية الحياة أمر غير مجد البتة .
كانت ثورات الربيع العربي سحابة أمل بالنسبة للشعوب العربية بصفة عامة والشباب على وجه الخصوص ،لكن إخماد لهيبها اسقط العناصر الحية في المجتمعات العربية في حالة فقدان الثقة في المستقبل واللاجدوى من أية مبادرة في التغيير،فالإحساس بعدم الرضي هذا عزز حالة العبثية والانهزامية واليأس المزمن.
لقد عمق هذه المشاعر السلبية المحبطة الحالة الذي أصيب بها كذلك من معاينة عن كتب لتخبط قيادات ونخب كان يراهن عليها كقدوة لحصول التغيير والخروج من الأزمة الكاتمة على أنفاسه في الإدمان على توليد وتكريس الفساد ،ومع استرسال هذه الأزمات الافتراضية تداولت أقنعتها بالتناوب
سقط القناع ولم يظهر أي ضنين خلفه ،بل اكتفى انتاج الدجل السياسي حتى التخمة .
كثيرا ما نراهن عن قيم مجتمعية كالسلم الاجتماعي والتسامح والنظرة التفاؤلية للمستقبل في خطابنا الإعلامي وفي خطاباتنا الدينية والسياسية لكن يبدو أن القلق والترويج للكراهية والعنف والفكر التخريبي والمتطرف أصبحت الوصفة لطبخة مجتمع الغد .
فالسياسات الفاشلة وغياب اليقين والمعنى عمق الاختلال وسجن المواطن في دوامة الأزمات النفسية لديه والعدوى السلوكية في محيطه ،وأمام صدمة حولته إلى كائن عاجزعن أية مبادرة مواطنة بل عبوة ناسفة تنتظر من يكبس على زرها .